الغش التجاري والمجتمع المدني
الغش التجاري والمجتمع المدني
د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج والمستهلكون ليس هم الجهة الوحيدة التي ينال منها الغشاشون. فهناك منتجو البضائع والعلامات التجارية الأصلية ووكلاؤهم في كافة أنحاء العالم. فالخسائر التي يتعرض لها هؤلاء تقدر ب 780 مليار دولار سنوياً. أي ما نسبته 5 إلى10% من قيمة التبادل التجاري العالمي. أما في البلدان العربية فإن خسائر الغش التجاري هي بحدود 50 مليار دولار. ويصل هذا المبلغ في المملكة إلى 11 مليار دولار سنوياً أي ما يقارب 41 مليار ريال. إذا فنحن نتكلم عن أرقام مخيفة من الخسائر. ورغم ذلك فإن الأرقام المشار إليها أعلاه لا تعكس سوى الخسائر المباشرة. أي خسائر المنتجين والتجار والوكلاء جراء بيع البضائع المقلدة لما ينتجونه أو يسوقونه من سلع وخدمات أصلية. وإلا فإن إجمالي الخسائر هو أضعاف ذلك. فالإحصاءات، ويا للأسف الشديد، لا تأخذ بعين الاعتبار الأضرار الفادحة والنفقات الضخمة التي يصرفها الناس والحكومات وشركات التأمين على فواتير العلاج من الإصابات والأمراض التي تلحق بالمستهلكين جراء استخدامهم أو استهلاكهم لمواد أو أطعمة مغشوشة. وليس ذلك وحسب. فالمستهلك البسيط هو الجانب الأضعف في هذه المعادلة الصعبة. فالصناع والتجار وغيرهم من أصحاب الأعمال لديهم جهات قوية مستعدة للدفاع عنهم مثل الغرف التجارية وحتى المؤسسات والوزارات الحكومية. وهذا أمر طبيعي في كل مكان وكل بلد. ولكن غير الطبيعي أن يبقى المستهلك العادي دون مؤسسات تحميه. فالمتجول في أسواقنا لا يخونه بصره في ملاحظة كثرة البضائع المشكوك في جودتها. فعلى من تقع اللائمة في ذلك؟ ان الباحث عن الحلول السهلة ربما يعلق كل ما رأته عينه في السوق من تشوه على مشجب مصلحة الجمارك أو وزارة التجارة والصناعة. ولكنّ ذلك فيه، ربما، تجن على الحقيقة وتبسيط لها بشكل كبير. إذ أنه من خامس المستحيلات أن تسمح أي جهة حكومية في غش المواطنين. فذلك أمر مخالف أصلاً للمنطق والقوانين. إذاً من هي الجهة المسؤولة؟ أعتقد أن عدم تطور المجتمع ومؤسساته المدنية هي المذنبة في الأمر. فلو كان لدينا جهات مدنية قوية مسؤولة عن حماية المستهلك فإن عملية الغش التجاري سوف تتراجع كما تراجعت في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة التي تمكن نشاط الجمعيات المدنية لحماية المستهلك، خلال عشر سنوات فقط، من تقليص نسبة الغش التجاري من 36% من حجم التداول السلعي الداخلي إلى 26%. |
| الساعة الآن 11:00 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by