ايهما اهم ( الوعي ) أم ( الخبز ) ؟ ربما البعض يقدم الخبز اوالوعي قبل الخبز احياناً !
الوعي قبل الخبز احياناً !
ان الفقر لا يعيب الشعوب , و ان الضعف الاقتصادي لا يشكل عائق امام الشعوب لتنمو , فكل شعب مهما كان لديه مصادره التي تعيشه لكي لا يموت على الاقل , فالخبز او الغذاء بشكل عام ضرورات تتشاطر في حاجتها جميع الارواح انسانيها و حيوانيها و نباتيها , و هذا من المسلمات الام في الاستمرار بالعيش , و لكن تختلف هذه الارواح الثالوثيه عن بعض في ماهيات جوهريه اخرى , هرم هذه الماهيات هو ( الوعي ) , فالانسان هو الكائن الوحيد الذي يعّي , بينما الآخران ( حيوان و نبات ) لا يملكا صفة الوعّي , و الوعي هو المميزه الام التي يتميز بها الانسان عن غيره من ذوات الارواح . الخبز سميت به الثوره الفرنسيه , و لكن بدون وجود وعي لم يكن هناك امكانية وجود ثوره , فالخبز لا يحرك الجماهير , و الجوع لا يمكنه ان يكون منظّر ثوري للجماهير , الوعي هو الشىء الوحيد الذي يحرك الجماهير لكي تنتفض , فبدون الوعي لا يمكن ان استشعر مكمّن الخلل بالفقر , و بدون الوعي لا يمكن ان ادرك من يحرمني حاجتي الفطريه للخبز , فإذا كانت الحواس تنقل للوعي مادية الاشياء , فإن الوعي هو من يترجم ما ينقل بواسطة الحواس , فحاجتي للخبز اعرفها بدون وعي , فحتى الفاقد التام لعقله يعرف حاجته للخبز , و لكن معرفة المصدر الذي يمنعنّي من الخبز هو الوعي ليس غيره . لو وضعنا معادله بسيطه على شاكلة سؤال استفهامي ضروري : ايهما اهم ( الوعي ) أم ( الخبز ) ؟ ربما البعض يقدم الخبز على الوعي , و مبرره بأن الخبز يبقينّي على قيد الحياة , بينما الوعّي لا يشبعنّي , هذه اجابه بديهيه مقنعه في حالة بقاء السؤال كتنظير و ليس كعمل , و لكن الا يدرّك هؤلاء بأن السؤال السابق نقصد به الجانب العملي , اي في دوله ما يوجد بها مصادر كثيره للخير و أنت تنتمّي لها , وقتها ايهما أكثر حاجه ( الوعي ) أو ( الخبز ) ؟ الوعي لا شّك بذلك , و المبرر أن الوعّي يجلب الخبز و غيره من ضرورياتك و ملذاتك الزائده , بينما الخبز لا يجلب الوعي , فالخيار بين أمرين حاسمين , بين ( أن تدخل مدينه مليئه بكل احتياجاتك الانسانيه و الفطريه ) و هذا فيما يتعلق بإختيارك الوعي , و بين ( أن تقف على باب المدينه و يُرمى لك خبز فقط ) و هذا فيما يتعلق بالخبز , فالخبز كان بالماضي حلم , و لكن اليوم الانسان تجاوز حلم الخبز , ظل يبحث عن تحقيق احلامه و هو تحقيق الوعي , فالزمان يقلّب اولويات الانسان مثلما يقلّب الله بأصبعيه قلب المؤمن , فالامس كان حلم ( الخبز ) , و اليوم اصبح الحلم حلم ( الوعي ) . الخبز شىء مادي يتمثل امامك تقبض عليه بيدك , و لكن الوعّي شىء غير مادي يتمثّل بأفعالك و جميع ما يصدر عنك من تصرفات , اليوم العالم يعيش بخيرات الوعّي , فلولا الوعي لما وصل العالم الى فض بكارة غالبية ما يوجد برحم الطبيعه , فالوعي صنع اكبر ثورات العالم بتنوعها , فالثورات العلميه و الشعبيه و الفلسفيه و غالبية الثورات هي نتاج سيطرة الوعي على الانسان , فالوعي عندما يصنعه شعب لنفسه لا يمكّن ان يرجع للوراء ليركّن و يعيش بلا وعّي , و الوعي لا يمكن ان يقذف قذف بالانسان ( فطرياً ) , بل هو نتاج التجريبيه و البحث و التمحيص عليه , فالشعوب العظيمه هي التي تملك الوعي , و الشعوب الدونيه هي التي غرقت في طريق بحثها عن الوعي , بل يمكن القول بأن الشعوب التي همها الاكبر الخبز هي شعوب ضعيفه و واهنه , و الشعوب التي همها الوعّي هي الشعوب المتقدمه . جلد العرب ذاتهّم كثيراً حدّ ادماء هذه الذات و ربما صلبها على نطع النقد اللا موضوعي , و ربما وصل بالبعض بأنُ آمن بكون الانسان العربي ميت منذُ زمان طويل و لا امكانية لرجوعه للحياة , و غيرهّم جردهّم من اي قيم و أخلاق حتى نسفوا ماضيهّم بالكامل و شوهوهّ , و اصبح الكلّ يغنّي على الماضي و يحاول الاستماته بالدفاع عنه , و هُناك فئات لو خيرت و اعطيت الخيارات لتبرأت سريعاً من هويتها العربيه نظراً للوهّن الذي وصلنا له , رغم ان العربي كإنسان يتشاطر مع غيره من الاخرين بصفات كثيره ايجابيه و حتى سلبيه , و لكن جرّد هذا الانسان من كل شىء و كأنهُ هو سبب هذا التجريّد , قالوا كثيراً بأننا شعوب ميته اكلينيكياً , و لكن الحقيقه اكبر من ان يقبض عليها أحد , الوهن الذي كان به الانسان العربي كان بسبب جيناته الطيبه الكريمه التي وثقّت بثلّه من الاشخاص لكيّ يقودوه , و لكن للأسف قُوبلّت ثقته هذه بالنكران , فهؤلاء أول ما فعلوهُ أن طعنوا بكل شىء فيه , و جلعوه هي مكمّن الخلل بالتقدم , و موطّن الوجع الذي يعيقهّم عن السير لمحاكاة الآخرين من الأمم تقدماً , فكان الاعلام و كل ما من شأنه التأثير على الانسان يكرّس هذا الصنم الافترائّي بأن العربي انسان عاله على الآخرين , و بانهمّ ( هؤلاء الثلّه ) هم من يحاولون إنقاذ ما يمكّن انقاذه . اعطوه الخبز و سموه فضل و كرم منهّم عليه , و حرموّه من وسائل الوعّي مبررّين بذلك بأنهّم أحرص منه على نفسه , قتلوه معنوياً بكل الطرق , أجتثوا كل ما من شأنه ان يعيّه , حكوموا على وسائل وعيّه بالاعدام فوراً , و هذا الصنم الاكبر بل ( هُبّل ) من وثق بهّم الانسان العربّي , و لذلك قاموا بشقلبّة المفاهيم رأساً على عقب , فألّهُ أنفسهّم , و جذروا انفسهم في الذهنيه التي سيطروا عليها بوسائلهّم بانهم مقدسين أكبر من القدسيه ذاتها , ان العدو الاول لكل ظالم و مستبّد هو الوعي , لان الوعي يخلق الثوار و العكس غير صحيح , و لان الوعّي يحطّم اصنام الظالمين و يكسرها , لان الوعّي يوقضّ الشرف و العز و الاصاله بالنفوس , لذلك صراع الانسان منذُ الازّل هو صراع بين الوعّي و بين اعداء الوعّي , العالم اليوم يعيش وعي كبير , و لكن الانسان العربي كان اعداء الوعي جاثمين على ذهنيته لجعل اللا وعي وعي و العكس صحيح , فاليوم صنع الانسان العربي وعيّه , فالوعّي صناعه ذاتيه , و ليس منحه من الآخرين . ان اعظم طلب يمكن ان تطلبه من غيرك اذا كنت تحبه ان تقول له ( اصنع وعيّك ) , لان الوعي اذا سيطر على الانسان كان قوه كبيره تحطم الاصنام و الاوثان و تنتصر للشرف و العدل و الحريه و العز و الكرامه ... ألخ , انك بدون وعي لا يمكن ان تفعل شىء , فمستحيل ان ينتصر راكب فرس بسيف على شخص مقابل له يركب الدبابه و معه احدث ما انتجت مصانع الاسلحه , فكما ان مستحيل ان ينتصر الانسان بصراعه مع اعدائه بدون امتلاك وعي كبير , فالوعي هو اعظم سلاح اليوم يمكن ان تحمي به نفسك و ابنائك و كل من تحرص عليهم , فالانسان العربي عندما كان طموحه ( الخبز ) حُرم منه , و لكن عندما يحوّل طموحه و حلمه الى ( الوعي ) سيتحصل وقتها على ما هو فوق الخبز , بالاضافه الى المزايا الكبيره التي تعيده لهويته الانسانيه التي سلبت منه بعد اختزال احلامه بالخبز . الخبز وسيله و ليس غايه , و الوعي غايه و ليس وسيله , ان ما يحدث بالعالم العربي اليوم هو في مسأله بسيطه تحليلاً , أن الانسان العربي حوّل مطالبه من البحث عن الخبز الى البحث عن الوعّي , و بحثهُ عن الوعي قاده لامتلاكه بالتدريج لذلك حتى حينما اعطّي الخبز لم يرضى بذلك لانهُ اكتشف بأن الخبز وسيله و ليس غايه , و اكتشف انهُ كان خارج هويته الانسانيه , و راح بفضل الوعي يحاول استرداد هويته الانسانيه بالكامل , فالوعي هو من يقود للهويه الانسانيه , و الخبز ليس هو البوصلة الحقيقه للهويه الانسانيه , ان الثورات العربيه هي ليست صراع بين حاكم و محكوم , ظالم و عادل , قوي و ضعيف , شعب و نظام , مستبد و مقموع , ان الصراع اليوم بالوطن العربي اعلى بكثير من هذه الاشياء رغم اهميتها , انه صراع ذو عنوان واحد كبير , أنهُ صراع بين ( الوعي ) و بين ( اللا وعي ) " سالبيّ الوعي " , و هذا الصراع تندرج تحته غالبية ان لم نقل كل الصراعات الاخرى التضاديّه مثل : صراع الشرف و المهانه , صراع الكرامه و الذل , صراع الحريه و العبوديه , صراع الخير و الشر , صراع يمكن ان يكون لهُ عنوان كبير متفرع من صراع الوعي و اللا وعي , هو صراع من اجل الهويه الانسانيه , فطرف يبحث عن هويته الانسانيه و طرف يحاول الاّ يعطيه ذلك . تملك الخبز و استمتع بمضغه , و ماذا بعد ذلك و انت خارج هويتك الانسانيه ؟!! و بعد الخبز هل تكون كل احلامك تحققت ؟!! و هل وقتها ستعتبر نفسك داخل حقل الهويه الانسانيه بإمتلاكك الخبز ؟!! يا صديقي الانسان العربي العظيم لم يعد للخبز طعم ولا حتى حاجه في ظل وجودك خارج حقل الهويه الانسانيه , انت كنت مجلود نقداً موهوماً لا ذنب لك فيه من كل الاطراف حتى ذاتك , كانت سياط التسخيّر و التقزيّم و التحقيّر تجلد ذاتك ليل نهار بسبب من وثقت بهّم , و أنت لم تكن كذلك , و لكن اليوم انت رجعت لهويتك و لكن ينقصك الحصول على كامل الهويه , فبعض مكاسبك حققتها , و لكن غالبيتها لم تحققها , فعليك الاستمرار بطلب التعمّق بالهويه الانسانيه , و ثق بانهُ ما دام بوصلتك الوعي و السعّي له صدقني ايها العظيم ستصل لكل احلامك و ستحقق كل طموحك و وقتها ستستمتع بأنك اليوم اصبحت انسان حقيقي , فالصوريه ليست حقيقه , إن الحقيقه هي المضمون بكامل تفاصيله العمليه و هي ( أن تخلق و تصنع ذاتك وعياً ) . لم تكن ازمة الانسان العربي ازمة خبز , بل كانت ازمه اكبر من الخبز , و لذلك الوعي قبل الخبز احيانا و في حالتك ايها الانسان العربي يكون ذلك , فأنت بحاجه للوعّي أكبر من الخبز , فالشعوب الاخرى ربما بعضها يحتاج للخبز و هو يمتلك وعّي , و لكن بحالتك ايها العربي الاصيل انت تحتاج للوعي , فالعام الجديد هذا أبان لنا حاجة الانسان للوعّي خصوصاً الانسان العربي , فالتاريخ اليوم مثل المعجون بيد العرب يشكلون به التاريخ كيفما يشاؤون ( التاريخ الجديد ) , فواصل بحثك عن الوعي و تأكد بأن الخبز و كل ما لذّ وطاب سيأتيك و من اهمها غالبية حقوقك الفطريه و الانسانيه , و الاكثر اهميه انك ترجع لحقل الهويه الانسانيه , فمن وثقت بهم اثبتوا عملياً انهم غير جديريّن بثقتك و لذلك انت ايقنّت بوعيك بأنهُ يجب ان تصحح خطأك الام و هو انك اعطيت ثقتك لمن لا يستحق , و تذكّر يا من تشاطرنّي هوية الدم و هوية اللغه و هوية الجغرافيا و الغالبيه منكم يشاطرنّي هوية الدين , و حتى ما لا يشاطرنا هوية الدين هو اخي كونهُ عربي بكل أحواله , تذكر بان الوعّي يأتي بالخبز , و ليس الخبز من يأتي بالوعي , فالوعّي قبل الخبز احياناً , و في حالة العرب هو كذلك . |
| الساعة الآن 07:38 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by