عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2009, 02:07 PM   #7
alzuhary
مشرف
 
الصورة الرمزية alzuhary
 
رقـم العضويــة: 6668
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشـــاركـات: 5,769

افتراضي

ولهذا لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أعطاها لليهود يعملونها فلاحة ، لعجز الصحابة عن فلاحتها ، لأن ذلك يحتاج إلى سكناها ، وكان الذين فتحوها أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة ، وكانوا نحو ألف وأربعمائة ، وانضم إليهم أهل سفينة جعفر ، فهؤلاء هم الذين قسم النبي صلى الله عليه وسلم بينهم أرض خيبر ، فلو أقام طائفة من هؤلاء فيها لفلاحتها تعطلت مصالح الدين التي لا يقوم بها غيرهم ، فلما كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحت البلاد وكثر المسلمون استغنوا عن اليهود فإجلوهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال : (( نقركم فيها ماشئنا ، وفي رواية ما أقركم الله )). وأمر بإجلائهم منه عند موته صلى الله عليه وسلم فقال : (( اخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب )). ولهذا ذهب طائفة من العلماء كمحمد بن جرير الطبري - إلى أن الكفار لا يقرون في بلاد المسلمين بالجزية إلا إذا كان المسلمون محتاجين إليهم ، فإذا استغنوا عنهم أجلوهم كأهل خيبر ، وفي هذه المسألة نزاع ليس هذا موضعه .

والمقصود هنا أن الناس إذا احتاجوا إلى الطحانين والخبازين فهذا على وجهين : أحدهما : أن يحتاجون إلى صناعتهم ، كالذين يطحنون ويخبزون لأهل البيوت ، فهؤلاء يستحقون الأجرة ، وليس لهم عند الحاجة إليهم أن يطالبوا إلا بأجرة المثل كغيرهم من الصناع. الثاني : أن يحتاجوا إلى الصنعة والبيع ، فيحتاجوا إلى من يشتري الحنطة ويطحنها ، و إلى من يخبزها ويبيعها خبزاً ، لحاجة الناس إلى شراء الخبز من الأسواق ، فهؤلاء لو مكنوا أن يشتروا حنطة الناس المجلوبة ويبيعوا الدقيق والخبز بما شاؤوا مع حاجة الناس إلى تلك الحنطة لكان ذلك ضرراً عظيماً ، فإن هؤلاء تجار تجب عليهم زكاة التجارة عند الأئمة الأربعة وجمهور علماء المسلمين ، كما يجب على كل من اشترى شيئاً يقصد أن يبيعه بربح ، سواء عمل فيه عملاً أو لم يعمل ، وسواء اشترى طعاماً أو ثياباً أو حيواناً ، وسواء كان مسافراً ينقل ذلك من بلد إلى بلد ، أو كان متربصاً به يحبسه إلى وقت النفاق ، أو كان مديراً يبيع دائماً ويشتري كأهل الحوانيت ، فهؤلاء كلهم تجب عليهم زكاة التجار ، و إذا وجب عليهم أن يصنعوا الدقيق والخبز لحاجة الناس إلى ذلك ألزموا كما تقدم ، أو دخلوا طوعاً فيما يحتاج إليه الناس من غير إلزام لواحد منهم بعينه ، فعلى التقديرين يسعر عليهم الدقيق والحنطة ، فلا يبيعوا الحنطة و الدقيق إلا بثمن المثل بحيث يربحون الربح بالمعروف من غير إضرار بهم ولا بالناس.

وقد تنازع العلماء في التسعير في مسألتين : إحداهما : إذا كان للناس سعر غال فأراد بعضهم أن يبيع بأغلى من ذلك فإنه يمنع منه في السوق في مذهب مالك ، وهل يمنع النقصان ؟ على قولين لهم . وأما الشافعي وأصحاب أحمد : كأبي حفص العكبري ، والقاضي أبي يعلى ، والشريف أبي جعفر ، وأبي الخطاب ، وابن عقيل وغيرهم : فمنعوا من ذلك. و احتج مالك بما رواه في موطئه عن يونس بن سيف ، عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيباً له بالسوق ، فقال له عمر : إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا.

وأجاب الشافعي وموافقوه بما رواه فقال : حدثنا الدراوردي ، عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر: أنه مر بحاطب بسوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب ، فسأله عن سعرهما ؟ فسعر له مدين لكل درهم ، فقال له عمر : قد حدِّثت بعير مقبلة من الطائف بحمل زبيباً وهم يعتبرون سعرك ، فأما أن ترفع السعر وإما أن تدخل زبيبك البيت فتبيعه كيف شئت ، فلما رجع عمر حاسب نفسه ، ثم أتى حاطباً في داره فقال: إن الذي قلت لك ليس بمعرفة مني ولا قضاء إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد ، فحيث شئت فبع ، و كيف شئت فبع ، قال الشافعي وهذا الحديث مقتضاه ليس بخلاف مارواه مالك ، ولكنه روى بعض الحديث أو رواه عنه من رواه ، وهذا أتى بأول الحديث و آخره ، وبه أقول ، لأن الناس مسلطون على أموالهم ليس لأحد أن يأخذها أو شيئاً منها بغير طيب أنفسهم إلا في المواضع التي تلزمهم وهذا ليس منها .

قلت : وعلى قول مالك قال أبو الوليد الباجي : الذي يؤمر من حط عنه أن يلحق به هو السعر الذي عليه جمهور الناس ، فإذا انفرد منهم الواحد والعدد اليسير بحط السعر أمروا باللحاق بسعر الجمهور ، لأن المراعى حال الجمهور ، وبه تقوم المبيعات ، وروى ابن القاسم عن مالك ، لا يقام الناس لخمسة . قال: وعندي أنه يجب أن ينظر في ذلك إلى قدر الأسواق، وهل يقام من زاد في السوق أي : في قدر المبيع ، بالدرهم مثلاً كما يقام من نقص منه؟ قال أبو الحسن ابن القصار المالكي : اختلف أصحابنا في قول مالك ، ولكن من حط سعراً فقال البغداديون : أراد من باع خمسة بدرهم والناس يبيعون ثمانية ، وقال قوم من المصريين ، أراد من باع ثمانية والناس يبيعون خمسة . قال: وعندي أن الأمرين جميعاً ممنوعان ، لأن من باع ثمانية والناس يبيعون خمسة أفسد على أهل السوق بيعهم ، فربما أدى إلى الشغب و الخصومة ، ففي منع الجميع مصلحة . قال أبو الوليد ، ولا خلاف أن ذلك حكم أهل السوق .

وأما الجالب ففي كتاب محمد : لا يمنع الجالب أن يبيع في السوق دون الناس . وقال ابن حبيب : ما عدا القمح والشعير إلا بسعر الناس و إلا رفعوا ، قال: و أما جالب القمح والشعير فيبيع كيف شاء ، إلا أن لهم في أنفسهم حكم أهل السوق ، إن أرخص بعضهم تركوا ، وإن كثر المرخص قيل لمن بقي : إما أن تبيعوا كبيعهم وإما أن ترفعوا ، قال ابن حبيب : وهذا في المكيل والموزون : مأكولاً أو غير مأكول ، دون مالا يكال ولا يوزن ، لأن غيره لايمكن تسعيره ، لعدم التماثل فيه . قال أبوالوليد : يريد إذا كان المكيل والموزون متساوياً ،فإذا اختلف لم يؤمر بائع الجيد أن يبيعه بسعر الدون.

قلت والمسألة الثانية التي تنازع فيها العلماء في التسعير : أن لا يحد لأهل السوق حد لا يتجاوزونه مع قيام الناس بالواجب ، فهذا منع منه جمهور العلماء حتى مالك نفسه في المشهور عنه ، ونقل المنع أيضاً عن ابن عمر وسالم و القاسم بن محمد ، وذكر أبو الوليد عن سعيد بن المسيب وربيعة بن أبي عبدالرحمن ، وعن يحي بن سعيد أنهم أرخصوا فيه ،ولم يذكر ألفاظهم . وروى أشهب عن مالك ، وصاحب السوق يسعر على الجزارين : لحم الضأن ثلث رطل : ولحم الإبل نصف رطل ، و إلا خرجوا من السوق . قال: إذا سعر عليهم قدر ما يرى من شرائهم فلا بأس به ، ولكن أخاف أن يقوموا من السوق . واحتج أصحاب هذا القول بأن هذا مصلحة للناس بالمنع من إغلاء السعر عليهم ، ولا فساد عليهم ، قالوا : ولا يجبر الناس على البيع ، إنما يمنعون من البيع بغير السعر الذي يحده ولي الأمر على حسب مايرى من المصلحة فيه للبائع والمشتري ، ولا يمنع البائع ربحاً ولا يسوغ له منه ما يضر بالناس . وأما الجمهور فاحتجوا بما تقدم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه أيضاً أبو داود وغيره من حديث العلاء بن عبدالرحمن ،عن أبيه ، عن أبي هريرة أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله ! سعر لنا ، فقال : (( بل ادعوا الله )) . ثم جاء رجل فقال : يارسول الله سعر لنا !فقال: بل الله يرفع ويخفض، وإني لأرجو أن ألقى الله وليست لأحد عندي مظلمة)). قالوا : و لأن إجبار الناس على بيع لا يجب أو منعهم مما يباح شرعاً ظلم لهم والظلم حرام .

___________________________


alzuhary غير متواجد حالياً