من حلول مكافحة الفساد
عبد المحسن بن إبراهيم البدر
تختلف قصص العصاميين باختلاف الأماكن، وتكتب قصص النجاح بلغات مختلفة، ويزيد الثراء بحجم الالتزام، وتكبر الثروات بتوسع الآفاق، ويبقى القاسم المشترك بين كل هذه الأشياء التعب والجهد الذي يبذله بأنفسهم هؤلاء الواصلون.
في وطن بحجم المملكة واقتصاد بقوة اقتصادنا وسط تغير سريع في التاريخ الاقتصادي في وقت قصير فإننا سمعنا قصص كفاح سطرها عصاميون بدأوا تجارة في وقت الجوع وبذلوا الجهد لتطويرها والارتقاء بها، وفي سنوات طفرة السبعينيات الميلادية تكونت قاعدة أكبر وقائمة أطول للنجاح الفردي، وشهد المعاصرون ملامح تلك النجاحات وعرفوا أصحابها.
يأتي اليوم لتظهر أسماء جديدة في عالم المال والأعمال، ودخل فاتحون جدد قائمة الأثرياء لم يكونوا موجودين من قبل، بعضهم يصنف من العصاميين الذين بنوا أنفسهم من العدم كما أسلافهم كثير، ومنهم من استند إلى جذور عائلية تجارية قوية دفعتهم إلى الأمام وإلى التوسع، وجزء آخر لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل لم يكن يربطهم بالأموال إلا العد.
وبالعودة إلى تاريخ هؤلاء الواصلين الجدد فإنهم لم يكونوا سلالة عائلة تجارية أو ورثة عائلة مليارديرية،
بل إنهم كانوا في وقت ما في مكان ما يصنعون القرار ويروضونه ..
عجبا لرواتب موظف تصنع الثراء.
عندما سجل التاريخ قرار تأسيس وتفعيل هيئة مكافحة الفساد ودليل عزم الدولة على محاربة الفساد، فإن ذلك التوجه حرر الأقلام وأعطى مساحة أكبر للتساؤل ومساحات أكبر للترقب لمستقبل الفساد الإداري والمالي في المملكة.
نعم، فإن تأسيس هيئة مكافحة الفساد وضع اليد على الجرح بانتظار العلاج أو البتر للأطراف المريضة، التي بلا شك تسبب الكثير من الخطر على باقي أعضاء الجسد. حيث إن أهمية رصد ظاهرة الفساد الإداري والمالي في أنها تمثل إضراراً بالمصلحة العامة واعتداء على حقوق الدولة وسيادتها، وكذلك على مستقبل نمو الوطن والمواطن. والفساد الإداري بشكل عام يشمل الرشوة، الاختلاس، التزوير، خيانة الأمانة، والمخالفة والتقصير في الأداء الوظيفي والمحسوبية وغيرها من الأعراض الجانبية لذلك الداء.
ولربط النقاش بمقدمة هذا الطرح فإننا نتحدث عن الفساد الإداري بشكل عام، وهنا نشير إلى علاقته الوطيدة بالفساد المالي، لأن انتشار الفساد الإداري يؤدي إلى انتشار الفساد المالي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لكن في بلد أنعم الله عليها باقتصاد قوي ما جعلها في غنى عن ضريبة الدخل للأفراد، فإن هذا السبب يجعل من الإفصاح عن ثروات الأثرياء سببا في تتبع مصادرها كما هو معمول به في الكثير من الدول التي تكون مصلحة الضريبة مرتبطة بهيئات ذات علاقة، ومن ضمنها جهات تهتم بمتابعة دخول الأفراد، خصوصا ممن يتبؤون مناصب قيادة في الدولة ومن الأمثلة على ذلك Internal Revenue Service IRS في الولايات المتحدة.
ومثل هذه الجهات عملها معرفة من أين لك هذا؟
اليوم ونحن نعيش أبهى حلل الإصلاح الاقتصادي في وقت يعيش العالم فيه متلازمة الركود الاقتصادي، فإن الحاجة إلى تطبيق واضح لظاهرة الفساد الإداري أصبحت حاجة ملحة، لأن انتشار الظاهر خلق طبقية كبيرة في المجتمع بشكل قد يؤثر في النمو المتوازن لهذا البلد الذي يملك الكثير من المميزات لتجعله في مصاف الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي، ليس بنفطها فقط، بل بقدراتها التنافسية القوية.
إن الحديث عن الشفافية يجرنا حتما إلى مصطلحين آخرين لهما علاقة قوية بها وهما الفساد الإداري والمساءلة والمحاسبة. الفساد الإداري، كما هو معلوم، يقوى عند غياب الشفافية، أي أن مصدر قوته في الغموض وعدم الوضوح، فالرشوة والسرقة والخداع وغيرها من مظاهر الفساد الإداري لا تتم أمام الأعين وفي وضح النهار، إنما تتم خلف الستار في الظلام، وهو شيء طبيعي، أي أن ينتشر الفساد وذلك لغياب المساءلة وانعدام المحاسبة، ونحن في المجتمعات العربية لنا خصوصية في الفساد الإداري، حيث المحسوبية الإقليمية والقبلية في إسناد الوظائف واستغلال النفوذ.
ولذلك فإن تفعيل دور IRS السعودي أصبح ضروريا بشكل كبير لمواكبة توجهات مكافحة الفساد، وعليه فإني أرى في ''سمة'' لاعبا مهما لدعم ذلك التوجه،
ويكون في إعطاء ''سمة'' صلاحيات أكبر من رصد قروض المواطنين، إلى رصد أموال الفاسدين، وتجربة ''سمة'' كانت رائعة، لذلك فإنها ستكون أروع فيما يخدم مصلحة كل الوطن، وليس بعض الوطن.
http://www.aleqt.com/2011/05/24/article_541555.html