فن تقديم الشكوى.. لا تنفعل وكن واثقاً من حقك!
أبها، تحقيق- مريم الجابر - صحيفة الرياض :
يفتقد العديد من أفراد المجتمع للقدر المطلوب من ثقافة الشكوى، وذلك رغم أن مجتمعاتنا العربية بشكل عام عرف عنها حب الشكوى والتذمر من كل أمر يتعلق بالحياة الاجتماعية، فقد لا يخلو أي تجمع من نقاشات تتعلق بسوء الخدمة المقدمة في المطاعم أو المستشفيات أو الأسواق التجارية، أو غيرها من الأماكن أو الإدارات أو القطاعات الأخرى، وقد نجد مراجعاً يتمتم بعبارات تذمر وعدم رضا وشكوى من رداءة الخدمة المقدمة في إدارة ما، أو قد نسمع "حوقلته"، إلى جانب وجود من قد يلجأ إلى رفع صوته أو من يطلق للسانه العنان لينطق عبارات سلبية في وجه موظف ما، وبالتالي فإنه حينما يطلب منه الموظف التوجه إلى الإدارة لتقديم شكواه يدير ظهره ويخرج من المكان من دون أن يتخذ أي إجراء، سوى أنه أضاع وقته ووقت غيره من المراجعين، إلى جانب إساءته لموظف لا حول له ولا قوة.
ولطالما تسبب ضعف ثقافة الشكوى واعتقاد أنها لا تقدم ولا تؤخر، أو أنها حتى لا تستحق إضاعة بعض الوقت في كتابتها وإعدادها في حرمان الفرد بشكل خاص والمجتمع بشكل عام من حق قد يسترد، أو خطأ يمكن تصحيحه للفائدة العامة.
توعية مجتمعية
وأشارت "نادية الفواز" - إعلامية - إلى أن ثقافة الشكوى تستدعي التوعية المجتمعية، مضيفة أن توجه بعض أفراد المجتمع إلى تقديم الشكاوى عبر وسائل الإعلام يكشف قلة الوعي لديهم في هذا الشأن، مبينة أن الوضع يزداد حرجاً وصعوبة حينما بصدر هذا الأمر من قبل أفراد على قدر كبير من العلم، موضحة أن التقدم بالشكوى يتطلب معرفة الصياغة المناسبة لها ووضعها في قالب لغوي بسيط بعيد عن التكرار والتعقيد، إلى جانب الحاجة إلى مقدمة للموضوع المراد طرحة وشرح المشكلة أو القضية المراد الحديث عنها.
وبينت أنه من الضروري أن يختم ذلك كله بذكر المطالب وتذييلها باسم صاحب الشكوى وكافة معلوماته الثبوتية، وأضافت قائلة:"إن هذه المعرفة أصبحت من الأمور الضرورية التي يجب أن يطلع عليها المجتمع بكافة شرائحه؛ نظراً لأن متطلبات الفرد تستدعي العديد من المطالب، خاصة في الوقت الذي تسيدت فيه التقنية على العديد من شؤون الحياة"، مشيرة إلى أن حاجة الفرد الماسة لإيصال صوته وسهولة الوصول إلى صانعي القرار تستدعي الإلمام بأهم مقومات تقديم الطلب.
مطلب استراتيجي
وأضافت "نادية الفواز" أن القدرة على طرح المشكلة وتفسير كافة جوانبها يعد مطلباً استراتيجياً لكافة الأطراف، سواء المشتكي أو المشتكى عليه، وبالتالي فإن صياغة الشكوى بشكل مناسب تساهم في سرعة تفهمها واستيعابها، مبينة أن كثيراً من الشكاوى يتم تجاهلها بسبب جهل أصحابها بالطريقة المثلى لطرح قضاياهم، لافتة إلى أنه من الضروري عدم تضمين الشكوى الإساءة للمسؤول أو الانشغال بأمور جانبية عن القضية الجوهرية التي يعاني منها المشتكي.
نقص الوعي
وأوضحت "سلمى الشهراني" - مديرة فرع وزارة التجارة بمنطقة عسير - أن ثقافة الشكوى أصبحت مطلباً ملحاً، خاصة أن العديد من أمور الحياة اليومية لا يمكن أن تكون على الوجه المطلوب، في ظل الزيادة المطردة في عدد السكان ونقص الخدمات أو إشكاليات الغش والتدليس أو عدم العدالة التي قد يشعر بها البعض، وبالتالي برزت الحاجة للتعبير عن مشكلاتهم، مضيفة أنه بات من الضروري أن تهتم وسائل الإعلام بتعريف أفراد المجتمع بآلية الشكوى والثقافة الحقوقية ونشر ثقافة التعبير عن المشكلات.
وأضافت أن حقوق العديد من أفراد المجتمع تضيع أو يتم إهمال شكواهم نتيجة عدم قدرتهم على التعبير أو بسبب نقص الوعي بالآلية المناسبة لعرض الشكوى وصياغتها بالشكل المناسب، مستشهدة بوجود العديد من الأفراد الذين يجلسون بالقرب من المحاكم أو إدارات الجوازات وبعض الإدارات الحكومية الأخرى ممن امتهنوا كتابة "المعاريض" وصياغة الشكاوى ليتم تقديمها للمسؤولين، في ظل عدم قدرة كثير من أصحاب الشأن على صياغة شكواهم بأنفسهم.
ثقافة حقوقية
وأكد "عبدالله الهنيدي" - مستشار قانوني - على أن حوالي (95%) من أفراد المجتمع لا يمتلكون ثقافة الشكوى، مضيفاً أن بعض المثقفين وأساتذة الجامعات ليست لديهم القدرة على كتابة شكواهم في حال وجود أي قضية تمس جانباً من حياتهم، إلى جانب امتناع العديد منهم عن الذهاب لمحامين متخصصين للمطالبة بحقوقهم عبر رفع شكواهم إلى الجهات المعنية، مشدداً على ضرورة اللجوء إلى مكاتب المحاماة عند العجز عن أخذ الحقوق أو في حال عدم معرفة الطريقة السليمة لذلك.
وشدد على أهمية التركيز في نشر هذه الثقافة في أوساط التعليم العام والتعليم الجامعي، إلى جانب الحرص على الإلمام بالثقافة الحقوقية، مضيفاً أنه لا يتم تدريب خريجي كلية الشريعة بالشكل المطلوب على نظام المرافعات أو الحقوق الجزائية، كما أنه لا يتم تزويدهم بالجرعات المناسبة من هذه الثقافة، في ظل التركيز في إمدادهم بالمواد النظرية فحسب، داعياً الجهات المعنية إلى ضرورة إيجاد محامين متطوعين في القضايا التي لا يستطيع أصحابها الاستعانة بمحامين للدفاع عنهم. وأضاف أن المحاكم في العديد من دول العالم تنتدب محامين متطوعين للدفاع عن المواطنين لتسهيل الشكوى والمطالبة بالحقوق الضائعة، مشدداً على أهمية عدم السكوت عن الشكوى أو الاتكال على غيره في المطالبة بالحقوق واللجوء دوماً إلى النظام للمطالبة بالحقوق.
حل المشكلات
ولفت "علاء الملا" - أكاديمي، ومبتعث لدراسة الدكتوراه بأمريكا - إلى أن العديد من شعوب العالم المتحضر لديهم ثقافة حقوقية بشكل كبير، داعياً إلى الإفادة منهم في هذا الجانب، موضحاً أن لديهم القدرة على استعادة حقوقهم والمطالبة بها في حال تضررهم من أمر معين، مشيراً إلى أن بعض أفراد مجتمعنا لا يزالون يعتمدون على ثقافة حل المشكلات بأقصر الطرائق عبر اللجوء إلى الرشوة، داعياً الجهات المعنية إلى الاهتمام بإشاعة ثقافة الشكوى بين أفراد المجتمع بكل السبل الممكنة. وأضاف أن من الحكمة أن تتم الإفادة من أخطاء الماضي والتفكير الايجابي حيال أحداثها، موضحاً أن المستقبل هو انعكاس للماضي وامتداد له، مشيراً إلى أن التشبث بالماضي والجمود والتفكير السلبي ستؤدي للفشل في المستقبل.
http://www.alriyadh.com/940089