مواطنون اعتبروها الأسوأ في تاريخ المنطقة وألقوا باللائمة على برج "النعايم" موجة البرد تقفز بأسعار الحطب وأجهزة التدفئة والفراء في المدينة
المدينة المنورة: مريم الجهني، عبدالله الرشيدي، أحمد العمري، يوسف غيث، خالد الجهني
"إذا طلعت النعايم ابيضت البهايم من الصقيع الدايم".. هكذا يقول قاموس العرب الفلكي عن هذه البروج التي نعيش أجواءها الباردة هذه الأيام، حيث يثبت ذلك القاموس الفلكي كل يوم مصداقية ذلك التراث الواسع الذي تركه العرب في هذا المجال.
أثرت موجة البرد الشديدة التي تجتاح المدينة المنورة وتتواكب فلكيا مع خروج ما يسمى لدى الفلكيين بـ" النعايم" على كل جوانب الحياة. وقد تجاوزت المسألة بحسب رصد "الوطن" تلك المقولة حيث وصل الصقيع هذه الأيام إلى عدد واسع من بيوت المواطنين في كل مكان، ولم تسلم منه حتى بعض البيوت المسلحة بعدد من التجهيزات في مجال التدفئة المنزلية.
فقد شهدت منطقة المدينة المنورة موجة برد لم يسبق لها مثيل منذ نحو نصف قرن. ووفقا للعم عيد سمير المطيري (في العقد السادس من عمره) فقد شهدت منطقة المدينة قبل نحو 45 عاما تقريبا موجة برد أطلق عليها "سنة البرد" حيث تحولت فيها الأشجار الخضراء إلى سواد قاتم بسبب البرد الشديد الذي مر بالمدينة وعدد من قراها.
ويضيف المطيري أن تلك الموجة التاريخية التي مرت بها المدينة استمرت لمدة 7 أيام. ويتمنى العم عيد ألا تكون هذه المرة كما حدث في تلك السنة، لتعيد معها ذكريات موت عدد من الأشجار.
ففي قرية الصويدرة 40 كيلو مترا شمال المدينة.. أكد المواطن حمدي السحيمي أنهم عايشوا موجة برد لم تمر بهم منذ سنين تجاوزت مسألة اصطكاك الأسنان، مشيرا إلى أن أسعار الحطب وصلت هذه الأيام إلى أرقام لم تصلها من قبل، حيث تجاوزات سقف الألف ريال لحمولة الونيت الصغير، وهي أسعار لا يمكن أن تكون في متناول يد كل مواطن على حد قوله.
أما محافظة خيبر التي تقع شمال المدينة (170 كيلو مترا) فقد كان نصيبها من موجة الصقيع أكبر وأشد، حيث اعتبرها المواطن عبدالله رويضي الرشيدي، موجة برد تاريخية. ووصف هذه السنة 1429 بأنها "سنة البرد".
وعبر عن قلق عدد من الأهالي من تأثيرات هذه الموجة، خصوصا في ظل قرب امتحانات الطلاب.
وفي ينبع، شهدت أسعار الأسماك ارتفاعا حادا بعد موجة البرد والرياح الشديدة التي اجتاحت المنطقة حيث امتنع عدد من صيادي الأسماك عن دخول البحر خوفا من موجة الصقيع. وقال خور رشيد أمان (أحد العاملين على مراكب الصيد) إن الرياح التي تهب بين الحين والآخر تسببت في امتناع الصيادين عن نزول البحر والمخاطرة بحياتهم، مضيفا أن الصيادين ينتظرون هذه الأيام تحسن الطقس لمزاولة أعمالهم.
وفي السياق ذاته، طالب عدد من أولياء أمور الطلاب في رياض الأطفال بينبع بإلغاء بعض البرامج المقدمة لأطفالهم مثل الزيارات والرحلات المدرسية خارج مبنى الروضة. وقال المواطن صالح عبدالله إن الأطفال لا يتحملون موجة البرد مثل الكبار مؤكدا أنه شخصيا منع ابنه صاحب الست سنوات من الذهاب إلى الروضة خوفا عليه من موجة الصقيع.
وفي قرية المليليح، قال مشعل الجهني إنه اضطر إلى أن يتدثر بثلاث بطانيات من شدة البرد الذي تعاني منه المنطقة، مضيفا أنه منع أبناءه في الأيام السابقة من الذهاب إلى المدرسة حيث إنه يمكن تعويض الدروس، ولكن لا يمكن تعويض الأبناء. وأشار إلى نفوق عدد من الماشية في إحدى القرى المجاورة للمليليح بسبب موجة البرد العارمة.
وعلى صعيد متصل، شهدت محلات بيع المشالح والبشوت الشتوية التي يطلق عليها حسب اللهجة المحلية "فروة" إقبالا كبيرا من المستهلكين مع انخفاض درجات الحرارة وشدة البرودة بالمنطقة.
وقال صالح الجهني، بائع ملابس شتوية، إن الفروة هي الأكثر إقبالاً من المستهلكين مبيناً أنه باع أكثر من 20 فروة في يوم واحد فقط. وأضاف أن هناك اختلافا في السعر من فروة لأخرى حيث يخضع الأمر لنوع الخامة المبطنة للفروة وصناعتها. وأشار إلى ارتفاع سعر الفروة المصنوعة محلياً وتحديداً في منطقة القصيم عن المستوردة بسبب جودة خامتها الداخلية، إلا أنه ذكر أن فارق السعر ليس كبيراً ولا يتجاوز 50 ريال عن الأخرى المستوردة والتي تباع في حدود 100 ريال.
وفي ذات السياق، يشير المواطن فهد الحازمي أحد الزبائن الذين تواجدوا لشراء الملابس الشتوية في أحد المجمعات التجارية لبيع الملابس الرجالية بالمدينة، إلى أن الفروة هي الخيار الأفضل بالنسبة له ولكثير ممن يعرفهم بسبب تدفئتها الجيدة التي تغطي كامل الجسم، إضافة إلى أنه يتخذها غطاءً يلتحف به إذا نام.
ويشاركه الرأي سلطان الجابري الذي يجزم بأن الفروة هي أكثر وسيلة يلجأ إليها السعوديون لمواجهة البرد، مشيرا إلى ارتفاع أسعار الملابس الشتوية الأخرى مثل الجاكت وغيره نسبياً مقارنة بالفروة رغم أنها لا توفر الدفء الذي توفره الفروة. ويستدل الجابري على ارتفاع مبيعات الفروة مقارنة بغيرها إلى أنه طاف بعدد من المحلات ولم يجد المقاس المناسب له بسبب نفاد الكميات المتوفرة في عدد من المحلات.
وكانت مبيعات الفروة في محلات المدينة المنورة قد اختصرت على نوعين فقط وهو النوع المصنع في السعودية والمستورد الذي في الغالب يكون قادما من سوريا.
إلى ذلك، حققت محلات بيع أجهزة التدفئة بالمدينة خلال الأيام الماضية أرباحا كبيرة وفقا لتأكيدات العاملين فيها بسبب كثرة الإقبال على شرائها لمواجهة موجة البرد.
فقد ارتفعت بعض أسعار الدفايات من 10% إلى 25% عن أسعارها في العام الماضي.
ومن وراء نظرة تجارية بحتة، يحمد صالح (بائع أجهزه كهربائية) الله على موجة البرد التي جلبت لهم الخير. وقال إننا أصبحنا نبيع يوميا من 100 إلي 200 قطعة من أجهزة التدفئة.
ويؤكد أنه ولمدة 18 عاما قضاها بالمدينة لم يشهد طلبا على أجهزة التدفئة مثل ما يحدث هذه الأيام، حيث يطلب العميل أفضل الأجهزة ولا يطلب خصم عليها، وذلك من شدة البرد. ويضيف صالح أن المسألة وصلت إلى حد الاستعانة ببعض الأصدقاء للعمل حتى نستطيع خدمة العملاء ومواجهة الضغط الشديد على المحل، وتوفير جميع الأجهزة تحت سقف واحد.
أما هاني، بائع في أحد مراكز الأجهزة الكهربائية، فيردد مقولة زميله بطريقة أخرى "ليت الأيام كلها برد". وأضاف أنهم يبيعون يوميا حوالي 300 قطعة من الدفايات ويحققون مكسبا كبيرا. ويعبر هاني عن أمله في أن تطول موجة البرد ليزيد المكسب. ويشير إلى وجود أنواع متعددة من أجهزة التدفئة مثل الدفاية الجلاسي التي تشبه المروحة والتي يمكن أن تصل حرارتها إلى جميع زوايا المكان الذي توضع به. وقد لاحظنا طلبا -بحسب قوله- على الدفاية من نوع الهزاز، مضيفا أن الشركات المنتجة
تفننت في توفير موديلات وأشكال متعددة لجذب العميل.
ويقول شوقي الذي يمتلك محل لبيع الأجهزة، إن الأرباح روعة والبرد أروع، مضيفا أن موجة البرد التي تشهدها المدينة حققت مكاسب لجميع بائعي الدفايات. ويستطرد شوقي: إنه توجد أنواع من أجهزت التدفئة التي تعمل بالكهرباء بقوة 120 و220 فولت، إضافة إلى دفاية الكاز. وأضاف أن بعضها وصل مستوى حداثته إلى العمل بنظام الريموت كنترول، والتي لا تحتاج من العميل غير الضغط على مفتاح التشغيل حتى لو كان تحت البطانية.
وفي السياق ذاته، يقول صالح اليماني أن مستودع المحل لديهم نفد خلال اليومين الماضيين، مضيفا أن بعض الأنواع من الدفايات نفدت تماما من محلهم.
وقال إنه نتيجة لكثرة الطلب على وسائل التدفئة، فقد طلبنا من شركات جديدة لأول مرة نتعامل معها توفير جميع الماركات للعميل.
ويضيف صالح أنه على مدارس 32 سنة قضاها في هذا المجال، لم يشهد مثل هذا الطلب من المواطنين والمقيمين على أجهزة التدفئة، مشيرا إلى تنوع طلبات العملاء، فهناك من يرغب في الصناعة التركية لضخامتها، وهناك من يطلب النوع الزيتي التي تعمل بدون إشعاع وتفضلها العائلات حرصا على أولادهم.
http://www.alwatan.com.sa/news/newsd...=2668&id=38229