العياشي: يجب التقليل من التمويل على أساس العائد الثابت
هل تستفيد المصرفية الإسلامية من دروس الأزمة؟
معاوية كنه من الرياض - - 26/10/1429هـ
يرى كثيرون أن واحدا من أسباب الأزمة المالية العالمية هو التوسع الهائل في الإقراض من قبل المؤسسات المالية إضافة إلى غياب الشفافية والرقابة على الشركات المالية وشركات التصنيف فهل حقا أسهمت هذه الأسباب في حدوث الأزمة وكيف يمكن للمصرفية الإسلامية أن تتفاداها؟
توجهنا بهذين السؤالين إلى الدكتور العياشي فداد من المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية والخبير في المصرفية الإسلامية فقال: بطبيعة الحال عوامل الأزمة المالية التي تعصف بعالمنا اليوم متشابكة ومتداخلة ومن التبسيط والتسطيح العلمي اختصارها في سبب واحد، ولمّا تتكشف بعد كل أبعادها وأسبابها كما يصرح بذلك المسؤولين في الغرب.
ولكن ما يتجلى لنا واضحا – وخاصة المسلمين- أن أحد عواملها المهمة بل ويعد جوهر الأزمة هو:
التوسع الهائل من البنوك في الإقراض رغبة في تعظيم الأرباح سواء من خلال البنوك ومؤسسات الإقراض أو من خلال التوسع في الائتمان أضف إلى هذا السبب الرئيس أسباب مهمة أخرى منها التوسع الهائل في تداول الأصول المالية القائمة على المديونية من خلال البورصات وأسواق المشتقات وصناديق التحوط التي تدير أصولا مالية هائلة قائمة تنشئ أهرامات هائلة من المديونية لا يقابلها بالقدر نفسه الحجم المطلوب من السلع والخدمات ويرى فداد أن هذا أدى، على حد تعبير البعض، إلى أن يصبح شكل المديونية يمثل مثلثا منكوسا قاعدته إلى أعلى ورأسه إلى أسفل مما يوضح أن الحجم الهائل من الديون قائم على قاعدة ضئيلة من الإنتاج الحقيقي ويضيف فداد أنه عند حصول أي بوادر لاهتزاز الثقة بين المتعاملين (بنوكا ومؤسسات مالية وأفرادا) كما حصل في أزمة الرهن العقاري وغيره فإن تلك السلاسل والأغلال والأهرامات من الديون تبدأ في الانفراط شيئا فشيئا إلى أن تحل الكارثة.
ويضيف: هذه الظاهرة هي التي عناها القرآن الكريم في أول آية نزلت بتحريم الربا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران:130) وقد شبه بعض الكتاب الغربيين الفائدة بالفيروس الذي يتكاثر بشكل كبير إلى أن يدمر الخلايا الحية في الجسم وتابع يلاحظ بأن الربا – كما يقول بعض الباحثين- يجعل الديون تنمو بشكل لا يمكن خضوعه لضوابط النمو الاقتصادي الحقيقي وفي غياب ضوابط النمو، يتزايد حجم المديونية بمعدلات أسرع من معدلات نمو الاقتصاد بحيث تصبح عبئا على الاقتصاد الحقيقي تستنـزف من إنتاجه الحقيقي على حساب الوحدات الاقتصادية ويضيف فداد إن مآل الربا في النهاية المحق والزوال نظير استغلاله باقي قطاعات الاقتصاد الأخرى لذلك قال تعالى: "يمحق الله الربا"ويقول صلى الله عليه وسلم : "إن الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قِلّ" رواه الإمام أحمد.
وعن سؤالنا كيف يجب على المصرفية الإسلامية أن تتعامل مع مثل هذه المشكلات يقول فداد ينبغي الاستفادة من دروس الأزمة والتأكيد في هذه الحال على ضرورة تقيد الصناعة المالية الإسلامية بالقاعدة الذهبية للتداول وهي: أن تكون المنتجات المالية الإسلامية قائمة على التداول السلعي الحقيقي بدلا عن تلك المنتجات القائمة على صور المداينة (التمويل النقدي) مثل : التورق، ومقلوب التورق أو ما يسمى بالاستثمار المباشر وغيرها وبطاقات الائتمان القائمة على قلب الدين وكذلك التوسع في التمويل على أساس المشاركة والتقليل ما أمكن من التمويل على أساس العائد الثابت كالمرابحة والإجارة المنتهية بالتمليك وغيرها ويضيف يجب الالتزام الحقيقي بالمقاصد الشرعية للمعاملات المالية والالتزام الحقيقي بالضوابط الشرعية سواء من حيث مقصد المنتج المالي الإسلامي أو آليته أو طرق تنفيذه ومآلاته كذلك إحياء قيم الاقتصاد الإسلامي في التعامل كالعدل والسماحة وتجنب الغش والتدليس وإنظار المعسر واعتبار التمويل أساسا لتيسير التبادل على الناس لا إغراق كاهلهم بديون لا قبل لهم بها وهو الأمر الذي يبعد التمويل عن وظيفته الحقيقية. ويختم فداد حديثه بقوله ينبغي القول إن المصرفية الإسلامية إذا التزمت بالضوابط الشرعية فهي البديل الذي يمكن أن يسهم في حل مثل هذه الأزمات وأن يكون بديلا واعدا للاقتصاد العالمي وهو ما بدأ أساطين الاقتصاد الغربيين وعلماؤه يعترفون به بل حتى رجال الدين والسياسة، ويتساءل هل آن الأوان للاستفادة من هذه الدروس ومراجعة الذات وتقديم النموذج الأنفع للبشرية جمعاء؟
http://www.aleqt.com/news.php?do=show&id=148040