عرض مشاركة واحدة
قديم 17-07-2012, 03:47 PM   #9
ضاري كنعان
مقاطع فعال

 
رقـم العضويــة: 7674
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشـــاركـات: 568

افتراضي

سوف اقتبس لكم موضوعا لـ د/ ابراهيم علوش

اقتباس:
المقاطعة الفردية كمدخل للمقاطعة الجماعية

اقتباس



لعل العقبة الأساسية التي تواجه المواطن العربي المزمع على تبني المقاطعة منهجاً في الحياة اليومية تتمثل بمجموعة من الأسئلة حول فاعلية قرار المقاطعة الفردي وجدواه . مثلاً : ما الفائدة , والجميع حولي لا يقاطعون ؟! وكيف ستتأثر الشركات الأمريكية والصهيونية بقراري بقاطعة منتجاتها ومبيعات بعضها أكبر من الدخل القومي لدول بأسرها ؟! وعلى افتراض أنها ستتأثر , فكيف ستنجح حملة المقاطعة الشعبية و الأنظمة العربية تبيع البلاد والعباد بالجملة لهذه الشركات والحكومات التي تمثلها في واشنطن وتل أبيب ؟! وهكذا ...

باختصار تنبع القناعة بعدم جدوى المقاطعة الاقتصادية من شعور المواطن أنه وحده , كفرد , غير قادر على التأثير في مواجهة قوى فرعونية عاتية وبالتالي , لا فائدة تذكر حتى من المحاولة .

فلماذا يجلب على نفسه مشقة المقاطعة والبحث عن , أو تطوير , بدائل للمنتجات الأمريكية ؟!

وقد ينبع هذا الشعور بالعجز وانعدام السيطرة على المصير من قرون من التهميش السياسي والقمع وحجز المواطن عن شؤونه العامة . ولكنه يطرح , بالرغم من ذلك , بعداً أساسياً في موضوع المقاطعة هو بعد العلاقة بين الفردي والجماعي فيها .

في البداية , لابد من الإشارة أن المواطن الفرد ليس وحده , بل هو الأغلبية . وبالتالي , فإن قراره بالمقاطعة يعني قرار الأغلبية بالمقاطعة , وهو لذلك شديد الفعالية والتأثير . ولهذا تفزع الشركات الأمريكية والحكومات العربية منه , وتحاول أن تشله بشتى الطرق , ومنها إقناعه أنه عاجز عن التأثير بأي شيء والعكس هو الصحيح , لأن المقاطعة الشعبية ككرة الثلج , يكمن سر قوتها في تأثيرها التراكمي , فالفرد , في المحصلة , لا يعيش في فراغ , بل يمتد في الجماعة اجتماعياً , وتمتد فيه ثقافياً . وعندما تصبح المقاطعة كأحد أشكال المقاومة , تقليداً وثقافة , يشيع تأثيرها من الجماعة إلى الفرد . بينما يتطلب وصول الأمور إلى هذا الحد الفاعل اجتماعياً وثقافياً تبني عدد كافي من الأفراد ممارسة المقاطعة كمنهج يومي .

ببساطة , كي تثمر المقاطعة الفردية , لا بد من تصعيدها وتعميمها على أوسع نطاق ممكن , لا التخلي عنها بحجة أنها غير مؤثرة .

والقرار الفردي بالمقاطعة يتراكم عددياً ويؤثر في محيطه الاجتماعي , فيوسع أطرها حتى تشمل أحياء ومدن وقرى وأقطار بأسرها .

وبهذا يجوف وينخر بنى الهيمنة الخارجية على الوطن العربي وينتزع بالمقاطعة ما تجهد هذه القوى لتحقيقه بالقوة والتآمر والضغوط السياسية . فالمقاطعة هنا فعل سياسي مقاوم واستراتيجي يحرم العدو من الثمار المادية لحملاته السياسية والعسكرية علينا .

ولو كانت أسواق الوطن العربي غير مهمة للشركات الأمريكية والصهيونية , على ما يزعم بعض المعنيين بإحباط جهود المقاطعة , فلماذا كل هذا التآمر والتسويق والغزو لوطننا العربي منذ أكثر من قرن ؟!

وكيف يكون النفط مهماً للغرب , ولا تكون عائداته النقدية مهمة كقوة استهلاكية ؟!

وكيف لا تكون الأسواق العربية مهمة للشركات الأمريكية وهي إما أكبر أو ثاني أكبر مصدر للمنتجات المستوردة في الأسواق العربية الأساسية مثل السعودية ومصر والإمارات ؟!

إذاً , المقاطعة الفردية مهمة لأنها مدخل المقاطعة الجماعية وأداتها التنفيذية الأولى .

بيد أن ذلك لا يعني أن المقاطعة الفردية تؤدي وحدها بالجمع البسيط إلى المقاطعة الجماعية أي إلى تقليد اجتماعي وثقافة مقاومة .

على العكس ! ستصطدم المقاطعة الفردية بعقبات كأداء مادية وسياسية , غير أوهام العجز المذكورة أعلاه , في غياب العمل السياسي والإعلامي المنظم من القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة بالدعوة لها . مثلاً ,

عندما تتبع الحكومات العربية سياسة الترويج للمنتجات الأمريكية والصهيونية على حساب المنتج المحلي , وعندما تصبح بنية الاقتصاد العربي تابعة للخارج , فإن جهود المقاطعة الفردية تصبح أكثر تعقيداً دون أن يعني ذلك أنها تصبح غير مؤثرة أو غير ممكنة .

بالمقابل , عندما تجد المقاطعة قوىً منظمة تروّج لها ولفوائدها تدحض خصومها وتقاوم الانجراف الرسمي العربي نحو التبعية للخارج وتضع الخطط لدعم المنتج المحلي والعربي , بكلمة واحدة , قوىً تجعل المقاطعة جزءاً من مشروعها السياسي وتلتزم بخطوات عملية لتنفيذها , فإن جهود المقاطعة الفردية تصبح أقل تعقيداً وأكثر قابلية للتعميم .

والنقطة الأخيرة بالتحديد تلقي العبء في معركة المقاطعة على كاهل القوى والأحزاب والنقابات والجمعيات المعنية بها من ناحية وضع البرامج والخطط لإنجاحها , دون أن يقلل ذلك من أهمية جهود المقاطعة الفردية خاصة في غياب مشروع المقاطعة الجماعي المنظم على مستوى الوطن العربي ككل .

المقاطعة ككرة ثلج :

يكمن سر قوة المقاطعة الاقتصادية كسلاح شعبي في تأثيرها التراكمي .
فالولايات المتحدة استخدمتها كسلاح بصورة جزئية أو شاملة حوالي خمس وستين مرة منذ عام (1993) ,

وهي تعرف أن مقاطعتها لبلد أو لبعض منتجاته سوف تعود عليه بأذىً فوري وكبير .

أما سلاح المقاطعة الاقتصادية في يد الشعوب المضطهدة فلا يمكن أن يستخدم بنفس الطريقة فور اتخاذ قرار بشأنها من قبل لجنة أو هيئة شعبية . والسبب بسيط جداً , وهو أن المقاطعة التي تمارسها أمريكة تستطيع أن تفرضها قانونياً على كل مواطنيها وشركاتها تحت طائلة المسؤولية , أما المقاطعة الشعبية فتعتمد في فعاليتها على مدى التزام الشعب بها , أي على الإقناع والشروط الموضوعية لا القسر بالقانون , خاصة والداعي إليها عادة قوى موجودة خارج الحكم . ولا يعني ذلك على الإطلاق أن المقاطعة الشعبية لا تستطيع أن تؤثر تأثيراً عظيماً , كما في حالة الخسائر الرهيبة التي منيت بها المنتجات الأمريكية في السعودية بعيد الانتفاضة الثانية.

بيد أن طريقة قياس هذا التأثير بدقة تنطلق من فهم المقاطعة الشعبية كعملية مختلفة من حيث الجوهر عن المقاطعة الرسمية , لا تنضج ثمارها إلا على المدى البعيد مع اتساع نطاقها , ويكمن سر قوتها في تأثيرها التراكمي .

وعلى هذا الأساس يجب أن ننظر للمقاطعة العربية الشعبية للمنتجات الصهيونية والأمريكية ومنتجات الشركات المتعاملة مع العدو الصهيوني أينما كانت .

لا بل أن النظرة الكلّية لمفهوم المقاطعة يجب أن تشكل إطار أي برنامج لإنجاحها . وهنا يتوجب أن نتوقف قليلاً أمام بعض خطوط هذا الإطار مثلاً :

1) ظروف الدولة التي يعيش فيها المرء . فمن الأصعب كثيراً على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام (1948) أن يقاطعوا المنتجات الصهيونية من أن يقاطعوا المنتجات الأمريكية ولذلك وجدناهم يقاطعون الأخيرة بكثافة في مستهل الانتفاضة الثانية . وهذا جيد , لأنه يمثل مساهمة إيجابية في حملة مقاطعة المنتجات الأمريكية في عموم الوطن العربي . بالمقابل , نجد العرب الأمريكيين يطرحون مشاريع مقاطعة ضد المنتجات الصهيونية , وبعض الشركات الأمريكية المتعاملة مع الصهاينة , لأن مقاطعة المنتجات الصهيونية في أمريكا أكثر قابلية للتطبيق . وهذا جيد أيضاً , لأنه يرسل رسالة سياسية مؤثرة في الحالتين , ويساهم بالجهد الكلي سياسياً ومالياً .

2) عربياً , لا بد من وضع برامج مقاطعة مختلفة في الدول العربية المختلفة حسب درجة نمو صناعاتها المحلية ودرجة تبعية اقتصادياتها لأمريكا ( وهو ما يرتبط أيضاً بالسياسة الاقتصادية لتلك الدولة ) ,

أي باختصار , حسب درجة توفر البدائل للمنتجات المطلوبة مقاطعتها .فطرح برنامج للمقاطعة الشاملة للمنتجات الأمريكية أسهل في سوريا مثلاً , حيث تؤمن الصناعة المحلية طيفاُ من البدائل لها , منه في الأردن , حيث تعمل الحكومة بصورة منهجية على تشجيع الاستيراد من أمريكا .

فالاقتصاد الأردني يعتبر في علم الاقتصاد نموذجاً لما يسمى الاقتصاد الصفير المفتوح , وهو شبيه في هذا بالاقتصاد اللبناني , حيث تتبنى قوى المقاطعة الشعبية اللبنانية برنامجاً فعّالاً لاستهداف منتجات حوالي عشر شركات أمريكية وغربية متعاملة مع العدو الصهيوني , كحد أدنى معقول قابل للتطبيق في الاقتصاد الصغير المفتوح , وقابل للزيادة مع تطور مشروع المقاطعة نفسه .

أما في بلدان مثل مصر , حيث الصناعة المحلية أقوى والاقتصاد أكبر حجماً منه في لبنان والأردن ولكن حيث الحكومة تتبع سياسة الإلحاق بأمريكا اقتصادياً , فإن مشروع المقاطعة يمكن أن يكون أكثر طموحاً مع أخذ المنتجات التي لا توجد لها بدائل بعين الاعتبار .

فعند طرح الجوانب العملية في مشروع المقاطعة , يجب أن نعرف ما إذا كانت المنتجات المطلوب مقاطعتها :

أ) ذات بدائل , أو ب) قليلة البدائل , أو جـ) بدون بدائل .

ويجب أنعرف إذا ما كانت :

أ) أساسية , لا يمكن الاستغناء عنها , أو ب) كمالية , يمكن الاستغناء عنها , أو جـ) ما بين الاثنين .

ودون أخذ هذه الاعتبارات العملية بالحسبان , يتحول برنامج المقاطعة إلى جعجعة بلا طحن ومجرد شعارات.

أما الشعار الصحيح هنا فهو : لنبحث عن البديل , أو أفضل , فلنطوّر البديل , كما في حالة مكة كولا مثلاً ,

وهو ما يربط مشروع المقاطعة بكل المشروع التنموي العربي .

والخلاصة أن تعزيز الأثر التراكمي للمقاطعة عربياً يتطلب أخذ الظروف المحلية بالحسبان على أساس مبدأ :
قاطع ما استطعت إلى المقاطعة بديلاً .
ضاري كنعان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس