عرض مشاركة واحدة
قديم 14-08-2007, 12:07 PM   #19
لا للجشع
مقاطع

 
رقـم العضويــة: 29
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشـــاركـات: 89

افتراضي

من أحاديث الناس .. غول الأسعار


نواف مشعل السبهان - كاتب وتربوي في التعليم الفني 01/08/1428هـ
nsabhan@hotmail.com


من الأحاديث السائدة بين الناس والمعبرة عن حالهم وشجونهم وهمومهم, وما أكثرها هذه الأيام, خاصة "الناس اللي تحت وليس اللي فوق" بالمقياس المادي البحت, بمعنى الناس الذين باتوا يحسبون للقرش حسابا عسيرا, وهم الغالبية, هو ارتفاع الأسعار, وهؤلاء لا يرونه كما يراه الخبراء الاقتصاديون والمحللون الماليون بأنه التضخم وسببه تدني القوة الشرائية للريال, وهذا التدني يؤدي إلى ارتفاع التكلفة وهذا الارتفاع يسببه فارق الصرف بين العملات الرئيسية والفرعية, فهم يترجمون ذلك كله لواقع معيشي صعب باتوا يعانونه, ويؤثر سلبا في قدراتهم الشرائية بما يعطل تمكنهم من الحفاظ على مستوى معيشتهم, فضلا عن رفع مستواها, كما أنه لا يعنيهم هذا السجال بين الاقتصاديين حول فك أو ربط الريال بالدولار, فما يعنيهم أكثر هو ألا يصدموا حين يجدوا أسعار السلع وبالتحديد الأساسية ترتفع بين شهر وآخر, وألا يكونوا هم وحدهم من يدفع فارق الأسعار بدخولهم الثابتة, فالفرد لا يستطيع بمفرده أن يتحمل ارتفاع سعر الرز مثلا, وهو قوت أساسي ولا تحمل ارتفاع سعر تغيير زيت سيارته ونحن مصدرون وليس مستوردين للنفط, أو عدالة أن يطالب المؤجر المستأجر برفع قيمة الإيجار لأنه يريد تغطية ما يتعرض له من غلاء معيشة وكأن هذا المستأجر هو المسؤول عنها, أو معني برفاهية المؤجر, في وقت تتناقص فيه قيم دخولهم مقارنة بقيمة المصروفات المرتفعة.
يقول المتخصصون إن هذا الارتفاع في الأسعار ما هو إلا انعكاس لارتفاعها من المصدر, وإنه عالمي بسبب أسعار النفط المرتفعة هي الأخرى من ناحية, وانخفاض سعر الدولار المربوط به الريال تجاه عملات رئيسية من ناحية أخرى, والبعض يعيده أيضا إلى أن تجارنا شطار للغاية حيث ما إن شعروا بهذا الارتفاع حتى سارعوا بتطبيقه على ما لديهم من بضائع وسلع كانوا قد استوردوها بالأسعار القديمة, وهذه فرصة سانحة لغياب الرقابة الصارمة لمضاعفة المكاسب من دون تكلفة زائدة عليهم. إلا أن المواطن في مواجهة ارتفاع تكلفة المعيشة التي يبشر بمزيد منها, لا تهمه هذه التفسيرات والمسببات, فما يهمه ويعنيه أن تحمى قدرته المعيشية من تقلبات الأسعار المرهقة له, خصوصا حين تحمل لأسباب غير منطقية. ولعل من أغرب التفسيرات لارتفاع الأسعار كأسعار العقار ومواد البناء مثلا محليا ما نسبه تقرير لبنك سيتي جروب لمؤسسة النقد السعودي بأنه بسبب زيادة دخل البلاد من النفط ما رفع من معدل السيولة في أيدي المواطنين وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على الوحدات السكنية. ولم يقل لنا التقرير ولا المؤسسة كيف تسربت زيادة الدخل من النفط لأيدي المواطنين؟ ولا كيف زاد الطلب على الوحدات السكنية, والإحصائيات تقرر أن ما يقارب 80 في المائة من السكان عاجزون عن امتلاك منازل؟
ليس هدف هذا المقال مناقشة الأسباب الاقتصادية لارتفاع الأسعار, ولكن إلقاء الضوء على معاناة المواطن مع غول الغلاء الصعب ودخله يلهث ويكاد تنقطع أنفاسه دون أن يقدر على ملاحقته, وما يزيد من هذه المعاناة أن التوقعات تنبئ بمزيد من ارتفاعها حسب توقعات تقرير "سيتي جروب" ذاته, وأن تكلفة المعيشة ستكون أعلى وأصعب فيما هو قادم من شهور, وهذا ليس له إلا معنى واحد هو أننا مقبلون على معيشة ضنكة, ولكننا لا نفقد الأمل ونحن في كنف ولي أمر صالح ودولة هي خير من ترعى مواطنيها وتحرص على رفاهيتهم من خير بلادهم الذي أجراه الله لها, ولا نظن أن ولاة الأمر وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين, حفظه الله, إلا مدركون هذه المعاناة ولا يرضون بها, وتخفيف بل إزاحة هذه المعاناة, معاناة المواطن مع غلاء الأسعار, سهل وميسر ومتاح, ومنها دعم الدولة السلع الأساسية على أن يكون دعما خاصا للمواطن وفق آلية يمكن تطبيقها, وليس في ذلك جديد فقد كانت تدعمها في السابق قبل أن توقفها حينما مرت بلادنا بظروف اقتصادية صعبة قدرها وتفهمها الجميع حينها, ومنها أيضا إعادة النظر في أسعار رسوم الخدمات التي يحتاج إليها المواطن من أجل دعم دخله وجعله قادرا على مواجهة الغلاء وتدني القوة الشرائية للريال.
ببساطة نقول إن ترك المواطن يصارع الغلاء من دون نجدة الدولة وتدخلها الإيجابي وهي تملك الإمكانات وأهم منها حرصها المشهود على معيشة مواطنيها, سيوسع من دائرة الفقر لدى الشريحة الأكبر والأوسع, وهي الطبقة الوسطى. وما نقصده بالفقر هنا هو في أحد جوانبه عدم قدرة الدخل على تلبية الاحتياجات المعيشية بالقدر الكافي, فلا يجني النظر إلى المسألة مجردة من تبعاتها السلبية حين تتعرض قدرات معظم المواطنين المادية للتردي في معادلة معكوسة لدولة غنية وشعب فقير, فالمواطن لم يعد قادرا على تحمل هذا الغلاء بعد ضربات سوق الأسهم الموجعة وما خلفتها من خسائر قضت على ما سبق أن ادخره وحققه. وقبل ذلك وبعده والأهم والأجدى هو أنه لا بد من وضع آليات وقائية تحمينا من تقلبات الزمن بأن نوظف دخلنا الاستثنائي بما يحفظ حياة الأجيال المقبلة.




http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=6521
لا للجشع غير متواجد حالياً