الموضوع: الملف الاسود
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2008, 04:22 PM   #9
لاتدف
مشرف

 
رقـم العضويــة: 6840
تاريخ التسجيل: Dec 2007
المشـــاركـات: 9,668

افتراضي

الخسائر تتضاعف مع كل يوم يمر، ياوزارة الصحه
د.ناصر الحجيلان

أود الإشارة إلى أنه إثر مقالتي عن هوان حياتنا على وزارة الصحة والتي نشرت يوم الثلاثاء الماضي، تلقيت عددا من الرسائل والاتصالات من عدد من المواطنين الذين لديهم مشكلات عميقة مع وزارة الصحة. كما كتب عدد من القراء والقارئات الكرام آراءهم ومشكلاتهم في موقع الرياض نت؛ وكانت آراء جريئة استفدت منها، فلهم مني خالص الشكر.
والحقيقة أن المحصلة التي يمكن الخروج بها من ردود الفعل التي يحمل أغلبها حنقًا على الوزراة هي أن وزارة الصحة تعاني من مشكلات عميقة وصلت حدًا من الاستهتار بحياة الناس وصحتهم لدرجة يصعب السكوت عليها. ويمكن القول إن كل ساعة تمرّ وكل يوم يمضي دون حل لتلك المشكلات يعني ضياع أراوح جديدة وخسائر أكبر تحل بنا. وهذا أمر لا يمكن أن يرضاه ولاة أمرنا حفظهم الله ولا يرضاه أي مسؤول يطلع على الواقع البائس الذي تمر به وزارة الصحة.
يحق لنا أن نتساءل في كل صباح عن عدد الضحايا الجدد للأخطاء الطبية، وعن كمية المرضى الذين زادت معاناتهم، وعن عدد الأرواح التي لم يحافظ عليها بسبب الإهمال والتأخر في مباشرة العلاج.
ومما يجدر ذكره أن أي بلد يواجه حالات طوارىء في أي شأن من شؤونه كحال وزارة الصحة الآن، فإنه يسارع إلى حل تلك المشكلات لكي لا تتضاعف وتتأزم المصاعب وربما تدخل في نفق مظلم يصعب الخروج منه. وأول خطوات العلاج هو تشخيص المرض وتحديد العلة التي تعاني منها الوزارة ممثلة بالمسؤولين والمتنفذين فيها. وبعد ذلك يمكن النظر في الخطط والاستراتيجيات التي تستطيع السيطرة على الموقف المتأزم والنهوض بالوضع إلى حال أفضل.
ومن خلال ما كتبه عدد من الكتاب والكاتبات الأفاضل في عدد من صحفنا عن هذا الموضوع المؤرّق، يمكن استقراء بعض الأفكار المفيدة التي قد تسهم في التعرف على مكمن الداء. ويمكن عرض تلك المشكلات الإدارية على شكل أسئلة. فهل تعاني وزارة الصحة من نقص في التخطيط الصحي؟ أم أن خططها غير عملية؟ أم أنها مشغولة بأنشطة أخرى؟ أم أن عملها كثير ومتعدد ومتشعب؟ وإن كان عندها خطط، فهل تتابع الخطط وتنفذ وتقوّم باستمرار؟ هل هناك فساد إداري في جهاز الوزارة؟ هل تعاني الوزارة من نقص في الميزانية؟ هل صلاحياتها محدودة؟ هل قدراتها الإدارية في السيطرة على الأمور ضعيفة؟
ولو أردنا حصر المشكلات التي يعانيها الناس مع وزارة الصحة، سنجد أنها كثيرة ولكن يمكن التركيز على أبرزها مثل: الأخطاء الطبية، ضعف الخدمات الصحية بما في ذلك قدم بعض الأجهزة الطبية أو عدم وجودها في عدد من المستشفيات، ضعف الطاقم الطبي، التلاعب في المواعيد وتأخيرها، وغير ذلك. والحقيقة أن هذه المشكلات هي مشكلات إدارية بالدرجة الأولى يمكن التغلب عليها في حال وجود جهاز إداري ناجح. فمن المعلوم أن الأخطاء الطبية تعود إما إلى ضعف الكفاءة الطبية عند الطاقم الطبي، أو إلى الإهمال. والوزارة مسؤولة عن السببين كليهما؛ فضعف الكفاءة الطبية ناتج عن التعاقد مع أشخاص غير مؤهلين أو مدربين تدريبا صحيحا. والإهمال ناتج عن ضعف الرقابة والتقويم الذي تمارسه الوزارة وإداراتها على المستشفيات.
ولكي نعرف الداء الحقيقي الذي يدب في جسد الوزارة، لابد لنا من الاطلاع على ما يجري داخل هيكل الوزارة نفسه. وقد كشف عن هذا الخلل الداخلي أحد المسؤولين من داخل وزارة الصحة وهو الدكتور خالد العيبان، وكيل الوزارة لشؤون التخطيط، في مقابلة معه نشرت في 24 يونيو 2006م في إحدى الصحف.
ومن خلال تلك المقابلة يمكن استعراض أربع مشكلات أساسية أربكت الوزارة وشتت تركيزها وجعلتها تصحح الأخطاء بأخطاء مضاعفة. وهذه المشكلات هي: 1- الضعف الإداري المتمثل في عدم القدرة على التنسيق والمتابعة والتخطيط والتقويم الشامل والمستمر للأعمال. وما يتبع ذلك من ضعف الجهاز التنفيذي بالوزارة وعجزه عن إنجاز الخطط الموضوعة؛ فيشير العيبان إلى ذلك بقوله: «لقد اجتمعت بأكثر من ثلاثين مدير مستشفى حكومي جميعهم غير مؤهلين لإدارة المستشفى، وهذه أقولها بكل تجرد ولقد صدمت عندما ناقشتهم عن الإدارة الصحية واكتشفت أنهم أناس غير ملمين بمفهوم الإدارة الصحية وأنا لا ألومهم فليس كل طبيب قادر على الإدارة الصحية بمعناها الحقيقي». و2- البيروقراطية في الوزارة والمنهج الروتيني في التعامل مع القضايا العالقة؛ إذ يقول العيبان بأنه: «تقبع في أدراج مكتبي موضوعات سهلة الحل إلا أن التناقض والتضارب في القرارات داخل أروقة الوزارة جعلها دون حل لأكثر من عام». و3- الازدواجية في العمل بين عدة جهات داخل الوزارة وخارجها. يقول عنها: «نخطط ونفاجأ أن هناك من يخطط معنا وهو خارج الوزارة أو تابع للوزارة في نفس الوقت وعندما نبعث بخططنا للمالية تتصادم الآراء». ويضيف: «هم من أطراف مختلفة ولكنهم يعملون تحت مظلة رئاسة معالي الوزير». و4- الفساد الإداري الذي يهدر أي جهد إيجابي للنهوض بالوزراة من عثرتها.
وقد نتج عن هذه المشكلات ضعف الخدمات الصحية وربما التلاعب في شراء الأجهزة الطبية. يقول العيبان: «في الوقت الراهن كل منطقة أخذت خصوصيتها تقريبا شفهيا من معالي الوزير، ولكن في واقع الحال هذا غير صحيح...»، ويضيف موضحًا: «المشكلة أن اللجان التي تعمل في الوزارة هي للتنفيذيين وليس للتخطيط المسبق». وهذا يكشف لنا الاضطراب في توزيع الأعمال على المسؤولين وعلى اللجان في أعلى الهرم القيادي للوزارة. فمثلا يلاحظ أن التشغيل الذاتي الذي تقوم به وزارة الصحة لم يثبت جدواه بالصورة المطلوبة؛ وقد وضع العيبان يده على مكمن الداء في قوله: «في كل مكان إذا لم يكن هناك انضباط يوجد عقاب، فإذا كان هناك اختلاسات ورشاوى يمكن أن يقضى عليها بالعقوبة ولا بد من رادع والحقيقة اننا لم نسمع عن عقوبات سوى مرة أو مرتين...». ومن الواضح أن الوزارة غير قادرة على إيقاع العقاب بأحد لأنها ببساطة لم تستطع ضبط شؤونها إداريًا؛ وكأنها حينما تسند المهام لأحد تنساه فتسند العمل نفسه لآخر، وبالتالي تحصل الفوضى الإدارية لأن الوزارة لا تعرف العمل وحدوده ولا المسؤول عنه ومقدار الإنجاز والمشكلات الطارئة والحلول والخطط المقترحة ومن يتابعها ومن يقوّمها وما هي النتائج والقرارات المرتبطة بكل عمل.
ومما ينبغي ذكره هنا أن النجاح في إدارة أي جهاز وضبط عمله يتطلب مهارات إداريّة ليس بالضرورة أن تكون تلك المهارات متوافرة في المختص. لأن المختص كالطبيب مثلا قد يكون ناجحًا في عمله الطبي ولكنه في الوقت نفسه لا يستطيع تسيير الأمور الإدارية بالصورة الصحيحة نظرًا لافتقاده المهارات الإدارية والسمات القيادية الناجحة في شخصيته. إنه من البديهي الإشارة إلى أن مقوّمات الكفاءة الإدارية الناجحة قد لا يكون لها علاقة بمقوّمات المعرفة المهنيّة. إننا نحتاج في من يتسلم المسؤولية الإدارية أن يملك الوعي والقدرة على وضع الخطط والبرامج ومتابعتها وتشكيل اللجان والهيئات المتخصة وتقويم الإنجاز، في حين أننا نحتاج الطبيب أو المختص للعمل في العيادة ومعالجة المرضى أكثر من حاجتنا له في عمل إداري لايحسنه.
جريدة الرياض

___________________________

لاتدف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس