الرابط
http://www.islamtoday.net/articles/s...88&artid=11302
د. يوسف القاسم:
الغلاء العام في الأسعار من أعظم الأمراض الاقتصادية التي تسعى إلى مكافحتها الدول الواعية, والتي تريد المصلحة والخير لشعوبها؛ لأنه ينخر في اقتصاد البلد, حتى يتحوّل هذا المرض إلى وباء لا سمح الله, مما يُنذر بمخاطر عامة وكبيرة, ومن أبرزها أن هذا الفيروس يمتصّ الأموال من جيوب الناس, حتى يصيب العامة بشلل الفقر الرباعي المزمن.
ولا يسلم من هذا الفيروس إلا من كانت لديه المناعة المقاومة لهذا الداء. ومن غوائل هذا الوباء أنه يوسع من هامش الجريمة في المجتمع, بحيث يحمل أصحاب النفوس الضعيفة إلى البحث عن المال بأي وسيلة ولو بأسلوب السلب, أو النهب, أو السرقة..الخ, إذًا فهو لا يستهدف اقتصاد البلد فقط, بل يستهدف أمْنَه واستقراره أيضاً!! بل وربما كان هذا الغلاء سببًا في رخص أعظم ما يملكه المسلم وهو العرض, بحيث يدفعه-إن كان ضعيف الإيمان- إلى تقديم شرفه ثمنًا لغذائه لا سمح الله, كما أنه يجعل الفرد يَلْهث وراء لقمة عيشه حتى يستطيع أن يتكيف مع هذا الغلاء! وهذا واقع مشاهد في بعض الدول العربية, والتي ارتفعت عندها الأسعار إلى حدّ أصبح معه المواطن لا يفكر إلا في لقمة عيشه, فلا يفكر في تربية, ولا في تعليم, ولا في رُقِي.., وإنما يفكر في لقمة العيش, وحسب!! وهذا أحد الأسرار التي جعلت نبينا صلى الله عليه وسلم يتعوّذ من الفقر؛ لما يجرّ إليه من مفاسد ومخاطر كثيرة على الفرد والمجتمع.
وتتفاقم المشكلة حين تكون بعض أسباب الغلاء مفتعلة من هذا التاجر أو ذاك, وحين تكون مصطنعة من هذه الشركة أو تلك, ودعني أرصد لك أيها القارئ الكريم بعض هذه التصريحات الهامة التي تكشف لك جانبًا من هذا الواقع المؤسف:
ففي مجال السلع الصناعية: جاء في جريدة الوطن (عدد 2613), بتاريخ (15/11/1428هـ) على لسان وزير التجارة, أنه قال أثناء إجابته على أسئلة الحضور خلال ورشة العمل التعريفية بحماية المنافسة في غرفة جدة: "إن جميع شركات الإسمنت (تواطأت لرفع السعر) قبل حوالي سبعة أشهر قبل أن تتدخل الوزارة, وتطالب الشركات بتصحيح الأسعار؛ لتعكس ما طرأ على تكاليف الاستيراد والإنتاج من زيادة حقيقية" واستثنى وزير التجارة شركة (إسمنت ينبع) التي رفضت الدخول في (التحالف لرفع الأسعار), ثم قال: "لو لم تستجب الشركات السبع الباقية لتوجيه الوزارة, لكانت تلك الشركات أولى الحالات التي يتخذ مجلس حماية المنافسة إجراءات نظامية بحقها!!" وهنا يتساءل كل مغلوب على أمره: ما هو حال الملايين التي حصلتها تلك الشركات أثناء فترة التواطؤ؟!! وما هو موقف الوزارة منها؟ وقد كان جواب الوزير: "لو لم تستجب...لاتخذنا إجراءات نظامية بحقها!!" يعني: أما وقد استجابت, فقد عفونا عنها!! (بلا تعليق!)
وفي مجال السلع الغذائية: جاء في جريدة الرياض (عدد 14321), بتاريخ (27/8/1428هـ) الخبر التالي: "عزا معالي المدير العام للمؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق صالح السليمان ارتفاع أسعار الدقيق في السوق المحلية إلى (وجود تجار يعملون على تخزين كميات كبيرة من الدقيق!) مؤكدًا أن ذلك بغرض (تقليل المعروض في السوق؛ لزيادة الأسعار!!) وقال السليمان: إن هذه التصرفات من قبل التجار ليست جديدة! وإنما هي متكررة في كل شهر يسبق شهر رمضان الذي يزيد فيه الطلب, مشيرًا إلى أن من ضمن العوامل التي تصاحب عمليات التخزين وجود عمليات تهريب للدقيق لجهات مجهولة لم يحددها السليمان!!" إنها مخالفة صارخة للحديث الشريف: «لا يحتكر إلا خاطئ» أي: مذنب, كما أنها مخالفة, يجرمها النظام, فأين أجهزة الرقابة, وأين العقوبة الرادعة؟؟
وفي مجال السلع الدوائية: جاء في جريدة الاقتصادية (عدد 5149), بتاريخ (7/11/1428هـ) خبر مفاده: "أدوية تصنع في الأردن تباع هناك بسعر يقلّ عن سعرها لدينا ثلاث مرات، ومنتج مصري يحصل عليه المصريون ومن يقيم هناك بما يعادل ريالاً سعوديًا واحدًا، بينما يباع المنتج نفسه بعشرة ريالات في المملكة!!" وحين صدر قرار وزارة الصحة بتسعير بعض الأدوية بسبب بعض الغلاء غير المُبَرَّر, أيّد هذا التسعير حشد من أصحاب الاختصاص, كما جاء على لسان الجريدة بما نصه: "(صيادلة ومتخصصون) اعتبروا هذا القرار بمثابة تصحيح جزئي (لزيادات غير منطقية طرأت على أسعار بيع الأدوية كلها!!) ودعوا إلى إقرار خفوضات أكثر حتى يستقيم الوضع الذي (استغلته شركات الأدوية بصورة سيئة!)".
وأعتقد أن هذه الأمثلة الثلاثة كافية في التدليل على أن الغلاء الطارئ على بعض السلع, أنه غير مبرر, وأن هذه الممارسات- الخارجة عن النطاق الأخلاقي والأدبي- تدلّ على غيرها مما لم ينشر!! وأنها مجرد استغلال سيئ لموجة الغلاء التي لحقت السوق المحلي والدولي, وهو دليل واضح وصريح على أن بعض أعراض الإنفلونزا غير حقيقية, وإنما هي من باب التظاهر بالإصابة بالعدوى؛ ليأخذ التاجر الشَّرِه نصيبه من الكعكة!! وقد أخذت وزارة الصحة (أخيرًا) بزمام المبادرة حين فرضت التسعير, وربما كان هذا لما لديها من خبرة طبية, استطاعت بسببها أن تفرق بين الإنفلونزا الحقيقية والكاذبة! والواجب أن يحال أولئك المتحالفون على رفع الأسعار إلى القضاء, لاسيما الشركات التي تمارس الاحتكار جهارًا نهارًا؛ وذلك من أجل إيصال رسالة تحذيرية إلى تلك الشركات المتحالفة، بأن أي تنسيق أو تخطيط يراد منه الإضرار بالمستهلكين سيكون مجالاً للمساءلة القضائية, والحكم بالتعويض, فضلاً عن معاقبة متخذي القرار في تلك الشركات, وبهذا يمكن الحدّ من تلك التصرفات والمهازل التي أضرّت بمداخيل العامة.

مقال مهم جداً

ويبين جوانب غائبة عن الكثير

ويوضح سلبية بعض الجهات في تعاملها مع الوضع



الله يعين

دمتم