مشروبات الطاقة وعهد جديد لمجلس الوزراء
د. عبدالرحمن يحيى القحطاني
بحت أصواتنا نحن المتخصصين في مجال تعزيز الصحة والصحة العامة من التحذير من مشروبات الطاقة وأضرارها الظاهرة والخفية، وتحدثتُ في أكثر من مقال حول ذلك، فهي لا تعطيك جوانح.. وليست كلها حركات!! بل "متروسة" بعوامل خطورة تضر بالصحة.
وقد سعدتُ كثيراً بقرار مجلس الوزراء الذي صدر هذا الأسبوع بالموافقة على حظر الإعلان عنها أو القيام بالحملات الدعائية أو الترويجية لها بأي وسيلة كانت، وكذلك منع رعاية أي مناسبة رياضية أو اجتماعية أو ثقافية، أو توزيعها مجاناً، إضافة إلى منع بيعها في المطاعم والمقاصف في المنشآت الحكومية، والتعليمية والصحية والصالات والأندية الرياضية كلها، وإلزامهم بوضع تحذير حول أضرارها.
ولعلي هنا ألخص ما قلته في عدد من المقابلات التلفزيونية والمقالات الصحفية حول التأثير السلبي على الصحة. ففي دراسة أسترالية على عينة محدودة وُجد أن تناول علبة واحدة من مشروب الطاقة يمكن أن يؤدي إلى تغير في خصائص الدم خلال ساعة؛ إذ يصبح أكثر لزوجة؛ ما قد يمثل عاملاً للإصابة بالجلطة.
كما تحتوي تلك المشروبات على مادة الكافيين بنسبة عالية، تفوق ضِعف الموجودة في المشروبات الغازية، وهي مادة منبهة للأداء البدني والعقلي، وقد يؤدي الإفراط في تناولها إلى العصبية والأرق والغثيان لدى البعض. ويمر الكافيين عبر المشيمة، ويمكن أن يصل لحليب الأم في ثدييها؛ ولهذا لا تُنصح الحوامل والمرضعات بتناوله.
وربما يجهل البعض أن عليها تحذيراً ينص على عدم تناولها من قِبل مرضى القلب وارتفاع ضغط الدم والحوامل والمرضعات والأطفال أقل من 16 سنة ومرضى السكر، وأثناء ممارسة الرياضة، وكذلك عبارة (تناول أكثر من عبوتين في اليوم قد يؤدي إلى الإضرار بالصحة). كما يؤدي تناول كميات كبيرة منها إلى زيادة معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، وكذلك سرعة خفقان القلب، وزيادة ضغط الدم.
كما تكمن خطورة مشروبات الطاقة في احتوائها على خليط من المواد والمركبات التي لا يُعرف حتى الآن على وجه التحديد الآثار المترتبة على الإفراط في استهلاكها على المديَيْن القريب أو البعيد، هذا فضلاً عن احتوائها على نسبة عالية من السكر، تقارب الموجودة في المشروبات الغازية الأخرى، ومن ثم احتمالية زيادة الوزن والسمنة. ويُضاف لذلك وجود عدد من الممارسات الخاطئة لدى بعض الشباب والفتيات بخلطها ببعض أنواع الأدوية؛ ما قد يؤدي لمضاعفات مهددة للصحة.
في اعتقادي، إن قرار مجلس الوزراء يُعد سابقة في مجال الصحة العامة في السعودية للحد من أضرار بعض المشروبات والمنتجات الضارة بالصحة، وهو قرار تاريخي وعهد جديد في مجال سياسات تعزيز الصحة لدينا، وموقف يُشكرون عليه، وتُشكر أيضاً وزارة الداخلية التي قامت بعرض الأمر على المجلس.
ونتطلع من المجلس إلى مزيد من الاهتمام بقضايا الصحة العامة في السعودية، وإعطاء ذلك أولوية، وخصوصاً في ظل انتشار الأمراض المزمنة بشكل مقلق للغاية ومهدد للتنمية الصحية والاجتماعية والاقتصادية بالسعودية، حتى أصبح يستهلك معظم ميزانية الخدمات الصحية.
فلدينا المشروبات الغازية السكرية التي تُعد أحد عوامل السمنة وزيادة الوزن، وتفتك بصحة المجتمع بطريقة الموت البطيء. وفي اعتقادي، إن ضررها على الصحة أكثر بكثير من مشروبات الطاقة على المديَين المتوسط والبعيد. كما أن المجلس مطالب بسن أنظمة وقوانين لتحديد نسبة الدهون والأملاح والسكريات في مطاعم الوجبات السريعة والأطعمة المصنعة.
يُضاف لذلك تحديد نسبة الدهون المحورة (Trans Fats)، التي ثبت ضررها البالغ على الأوعية الدموية والقلب، وحدوث تصلب الشرايين والسكتات الدماغية.
ومما لا شك فيه أن أحد أهم العوامل التي يجب على مجلس الوزراء الوقوف أمامها بتمعن شديد الدعاية والترويج لتلك المشروبات والأطعمة التي تستهدف الأطفال والمراهقين بشكل مكثف، وتغرر بهم.
على كل، كنت أتمنى من المجلس حصر بيع مشروبات الطاقة في الصيدليات فقط، والتعامل معها كمنتج "ذي أثر على الصحة"، كما هو معمول به في عدد من الدول. لكن ذلك لا يعفينا من أن نحتفل نحن المتخصصين في الصحة العامة بهذا القرار. جعلها الله احتفالات دائمة ومتكررة.
http://sabq.org/jy1aCd