معدل البطالة يرتفع مرة أخرى ولا حلول في الأفق

الراسي · 18-05-2010, 12:21 PM

نشرت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات تقريرها السنوي الأخير عن القوى العاملة في المملكة العربية السعودية، وهي سنـّة حميدة تُشكر عليها المصلحة وتُظهر عملاً يتسم بكثير من الحرفية، وإن كانت وجهات النظر تختلف حول تفسير وتحليل بعض ما ورد فيه.
ويُظهر التقرير ارتفاع مستوى البطالة إلى 10.5%، إذ بلغ عدد العاطلين عن العمل في عام 2009 نحو 449 ألفاً، أي بزيادة قدرها 5% عن العام السابق حين بلغ عدد العاطلين عن العمل 416 ألفاً.
وقد أصبحت البطالة بهذه المعدلات ظاهرة مزمنة، إذ إن معدل البطالة ظل في حدود 10% طيلة السنوات الثماني الماضية. وهو أمر يثير القلق في حد ذاته، ولكن مما يثير القلق أكثر انتشار البطالة بين المتعلمين. فحسب ما أشار إليه التقرير فإن "أعلى نسبة للمتعطلين السعوديين هم من الحاصلين على شهادة البكالوريوس أو الليسانس وذلك بنسبة ٤٤،٢ %، يليهم الحاصلون على شهادة الثانوية أو ما يعادلها بنسبة ٢٥،٧%". أما بين النساء فإن الأمر أكثر حدّة، فحسب التقرير: "فإن الحاصلات على شهادة البكالوريوس أو الليسانس يـُمثلن أعلى نسبة من بين المتعطلات السعوديات حيث بلغت ٧٨،٣% ، تليهم الحاصلات على شهادة دبلوم دون الجامعة بنسبة 12.3%".
وانتشار البطالة بين المتعلمين والمتعلمات يُشكل ظاهرة فريدة مقارنة ببقية دول العالم، حيث تنتشر البطالة في تلك الدول بين غير المتعلمين، وتنخفض نسبتها بارتفاع نسبة التعليم. أي إن التعليم الجامعي لدينا يساهم في زيادة البطالة بدلاً من تخفيضها!
وإذا كنتَ ترى هذه الأرقام ونسب البطالة مُقلقة فإنك قد تفقد بعض نومك حين تقرأ في تقرير المصلحة ما تسميه بإحصاءات الخارجين عن قوة العمل. وهم في منزلة بين المنزلتين، فليسوا من المشتغلين وليسوا من العاطلين عن العمل.
والسبب في هذه الظاهرة (ظاهرة الخروج عن قوة العمل) أن تقرير المصلحة يُعرّف البطالة تعريفاً ضيقاً، فالمتعطل عن العمل هو: "الفرد الذي بلغ عمره (15) سنة فأكثر، والقادر على العمل، ولديه استعداد للعمل خلال أسبوع الإسناد، ويبحث عن العمل بجدية تامة خلال فترة الأسابيع الأربعة الماضية المنتهية بنهاية أسبوع الإسناد ولم يجد عملاً." ونظراً إلى أن التعريف يشترط أن يكون الشخص باحثاً عن العمل بـ "جدية تامة" خلال الأسابيع الأربعة السابقة لفترة أخذ العينة، فإنه لا يعتبر من ضمن العاطلين عن العمل، الكثير ممن قد يعتبرهم غير المتخصص عاطلين عن العمل. فما هو تعريف "الجدية التامة" في البحث عن عمل؟ وماذا عن المواطن الذي كان يبحث عن العمل قبل شهرين من أخذ العينة؟ أليس عاطلاً عن العمل؟ وماذا عن الذين أحبطوا فتوقفوا مؤقتاً عن البحث؟
ونظراً إلى أن تعريف البطالة في التقرير بهذا الضيق، فإنه يرصد أعداداً كبيرة من المواطنين ممن لا يعملون ولكنهم لا يدخلون في عداد العاطلين، لأسباب مختلفة. ويُصنّف التقرير هؤلاء المواطنين على أنهم "خارج قوة العمل". وأعداد هؤلاء الخارجين كبيرة وأسباب خروجهم كثيرة. ويشمل تصينفهم كل من لا يعمل، ولكن لا تنطبق عليه الشروط الضيقة للبطالة. فحسبما ورد في التقرير بلغ المُصنفون "خارج قوة العمل" من المواطنين أكثر من (7.5) ملايين، أو ما نسبته 64% من إجمالي السكان في سن العمل. وهي نسبة عالية بالمعايير الدولية، بل قد لا تجد لها مثيلاً في العالم. مما يعني إما أن هناك خللاً في تقدير عدد البطالة، أو خللاً أكبر في البرامج التي وضعتها خطط التنمية لرفع نسبة مشاركة المواطنين في سوق العمل. وتعني في هذه الحالة أن المجتمع السعودي يعمل بنحو ثلث طاقته البشرية الكامنة والبالغة نحو (11.8) مليوناً حسب تقرير مصلحة الإحصاءات العامة.
وتقرير المصلحة موجود على موقعها على شبكة الإنترنت، وهو مليء بالبيانات المفيدة، التي يمكن أن تكون أساساً رقمياً للكثير من الحوار الضروري لمعالجة هذه الظواهر اللافتة للنظر حقاً: كأن تظل نسبة البطالة في حدود 10% عاماً بعد عام، بل تعدتها هذا العام. وأن تظل نسبة من يعملون فعلاً في حدود 22% من إجمالي السكان، وأن تظل نسبة المشاركة في سوق العمل في حدود 36%. أي إن المجتمع في معظمه غير منتج أو مشارك في سوق العمل، إذ تقتصر هذه المشاركة على نسبة ضئيلة من المواطنين.

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=319