لو كنتُ هامورًا...


لن يطول تساؤلك - عزيزي القارئ - عن سبب إطلاق عامة الناس لقب "الهامور" على كبار التجار والمسيطرين على التجارة في بلدنا؛ لأن هذا التساؤل ستتضح معالمه حين تعرف أن سمك الهامور لا يوجد منه أحجام صغيرة، بل إن أصغر حجم منه يبلغ وزنه 14كجم، وستعرف حينها سبب تسميتهم بالهوامير.

في معترك الحياة، ومع كثرة متطلباتها التي لا تنتهي، تجد أنك في الفرص النادرة التي تلوح لك إذا نظرت إلى الأفق تُحجب الرؤية عنك، وتكتشف منذ الوهلة الأولى أن الهامور "الفلاني" كان هو سبب "الحجب"!

إنهم لا يشبعون!!؟

هذا ما يُعرف عن هواميرنا البواسل، الذين يحتاجون للكثير من "الرجيم" الجبري؛ حتى يعودوا لأوضاعهم الطبيعية.

لذا جلستُ مع نفسي قليلاً بعد أن استوقفني لقبهم، وقلتُ: لو كنتُ هامورًا ماذا سأفعل يا تُرى!؟

_ لو كنتُ هامورًا لأطلقتُ لنفسي العنان لأجمع أكبر قدرٍ ممكنٍ من الوكالات التجارية، من وكالة استيراد الدبوس، إلى الطائرة؛ حتى يتسنى لي أن أكون في مقدمة الهوامير، ولأقود الركب المسيطر على أرزاق المواطنين.

_لو كنتُ هامورًا لسيطرتُ مع أقرب الأصدقاء الهوامير على أراضي إحدى المُدن، وتحكمتُ في أسعارها طلوعًا وطلوعًا "عفوًا فأنا أكره النزول"؛ حتى تصبح الأرض التي تستحق مبلغ ألف ريال بمائة ألف ريال "واللي ما عندوش ما يلزموش"!

_لو كنتُ هامورًا لاستوردت أكثر البضائع الصينية رخصًا، ولن أهتم بالجودة أبدًا؛ فكلما زادت الجودة قد تقل الأرباح، ومن ثمَّ أشتري البضائع بثمن بخس، وأبيع بضاعة "الهللات" بعشرات الريالات؛ وبالتالي تتضاعف ثروتي في غضون بضعة أشهر مضاعفة تليق بمقامي بوصفي "هاموراً كبيراً".

_لو كنتُ هامورًا لرفعت الأسعار متى شئت، وإن حاولتم أن تقاطعوا البضاعة فالأمر في يسر: سأتحدث مع وزارة التجارة لتأمرني بإعادة الأسعار كما هي، ومن ثمَّ أعود إليكم بعدها بأشهر وأقلص حجم المنتج؛ وبالتالي أحصل في النهاية على هدفي بزيادة أموالي من الباب الواسع.

_لو كنتُ هامورًا لوضعت رأس مال مؤسستي بآلاف الريالات، في حين أنها تساوي ملايين الريالات؛ حتى أتخلص من مصلحة الزكاة، وحتى لا يكون للفقير "الكحيان" أي نصيب من مالي، ولتزيد نسبة الفقر في البلد.. وما شأني!؟

_لو كنتُ هامورًا لاتفقت مع صديقي الهامور "الاقتصادي الإعلامي" وجعلته يخرج للإعلام مدافعًا عنـَّا، ومبرهنـًا أنه لا شأن لنا بارتفاع الأسعار، وأن الاحتكار لم يضر هذا الارتفاع، وسأطالبه بالقصاص من أي شخصٍ قد يقول غير ذلك، وسيثبت لكم أن ربحنا في أي بضاعة مبيعة لا يتجاوز نصف ريال أو بالكثير الريال الواحد، وأن القناعة كنز الهوامير! وأننا لا نريد أي شيء سوى خدمة الوطن والمواطن، حتى أننا أحيانـًا نصرف من جيوبنا لأجل هذا الشيء!

_لو كنتُ هامورًا لاستخدمت نفوذي الإعلامي لإثبات أن التجار فيهم من النزاهة ما لا يوجد في عمر بن عبد العزيز، وأن الاقتصاد العالمي هو سبب زيادتنا الأسعار، حتى أن التراب لدينا قد زاد بحكم الغبار الدائم الذي ينقل ذرات التراب معه من الدول إلينا؛ وبالتالي اختلط تراب أرضنا بترابهم؛ فمن المنطقي أن تزيد الأسعار المرتفعة لديهم؛ لاتحاد ذرات التراب بفعل "خيمياء باولو كويلو"!!؟

_ لو كنتُ هامورًا لاتهمتُ أي مواطنٍ يحاول فتح صفحة تحارب جشع التجار، وتوحد الصفوف ضدهم، بأنه إرهابي، ومشكوك في وطنيته، ولا يحب مليكه، ولا وطنه، ولوصفتُ أي كاتب يحاول إيضاح الحقيقة حول مكاسبي بـ: الخارج عن النظام، الفاسد المفسد. وإن لم ينفع فسأجعل لكتاباته أجندة تحاول الإخلال بأمن الوطن!

_لو كنتُ هامورًا لما خشيت سوى حماية المستهلك؛ لأنها لو أرادت تحجيمي لفعلت ذلك!!
هذا لو كنت هامورًا، والحقيقة أنني أبكي حالنا مع "الهوامير".

وأعاذنا الله وإياكم من غضب الهوامير؛ "فلسنا ناقصين"..

عبدالله عامر القرني

http://sabq.org/sabq/user/articles.do?id=898

مقال رائع
و فيه من إيضاح الوضع الإقتصادي للبلد الشيء الكثير
شكرا لك