ميثاق شرف التجار



عبدالله صادق دحلان 2012-02-17 11:49 PM



ذهب رواد التجارة بمبادئهم وخلقهم وبمواثيقهم، وأتى الدخلاء على التجارة، فباعوا مبادئهم وتنصلوا من ميثاق الأوائل، فاستغل بعض التجار الأزمات لرفع الأسعار وتحايل البعض على الجودة فتاجر بالسلع المقلدة أو المغشوشة


قبل مئة عام عرف تجار مدينة جدة تنظيما مثاليا يحكم العلاقة التجارية والأخلاقية بين التجار بعضهم بعضا وبين التجار والمستهلكين، ولم يكن هذا التنظيم قد حُدد بمرسوم ملكي أو أميري أو سلطاني إبان الحكم العثماني، بل كان هذا التنظيم أقوى من أي قرار أو مرسوم لأنه صادر عن اتفاقية رجال تعاهدوا على الالتزام بهذه الاتفاقية وعدم الخروج عنها، وألزموا أنفسهم وأبناءهم ببنود هذه الاتفاقية ورضوا جميعاً بالاحتكام إلى (شاهبندر التجار) يتم انتخابه بناء على بند من بنود ميثاق الشرف، الذي حددت فيه الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الشيخ، وحددت فيه كيفية الاختيار، وذلك عن طريق الانتخاب الفردي، تشرف عليه لجنة منتخبة من التجار تتصف بالديانة والأمانة وحسن السيرة والسلوك، وبعد أن يتم اختيار شاهبندر التجار تتم الجولة الثانية في اختيار نائبي الرئيس، وتكون هذه التشكيلة الرئيس والنائبان هم أصحاب القرار في الحكم في أية قضية خلافية بين التجار، وهم المسؤولون عن التجار والأسعار والجودة في الأسواق، وهم المفوضون لحل خلافات التجار مع سلطة الشريف آنذاك، وكان قرار شاهبندر التجار نافذاً ولا رجعة فيه وعلى الخصوم التنفيذ.

وكان من أهم بنود ميثاق شرف التجار نقاط تهم المستهلكين وتقف بجانبهم وتحافظ على حقوقهم ومصالحهم. وعلى سبيل المثال ألا يلجأ التجار إلى رفع الأسعار تلقائياً وبدون مبرر، وإذا رغب التجار في رفع سعر سلعة معينة ذهب ثلاثة من التجار المستوردين للسلعة أو المصنعين لها وقدموا مبرراتهم لشاهبندر التجار، وإذا اقتنع بها وافقهم على رفع السعر وفي غالب الأحيان يحاورهم ويناقشهم في الأسعار حتى يصل معهم إلى السعر المعقول، وكان من أهم الشروط هو تنفيذ قرار رفع الأسعار بعد ثلاثة أشهر من القرار، وهي فترة نقل البضائع المستوردة من بلد المصدر على ظهر سفن نقل البضائع إلى جدة.
ويلزم شاهبندر التجار جميع التجار بالإعلان عن نية رفع السعر قبل وصول البضائع بثلاثة أشهر، ولا يجوز للتاجر أن يستخدم مخزونه للاحتكار بعدم بيعه في الأسواق حتى وصول الشحنة الجديدة ثم يرفع سعر المخزون مع سعر الشحنة المعدل سعرها. ولا يجوز له أن يرفع سعر السلع مباشرة بعد قرار رفع السعر، وإذا قام بذلك لجأ المواطنون إلى شاهبندر التجار لمحاكمته ومعاقبته، ويصل العقاب أحياناً إلى منع حصته في التوزيع إذا كان موزعاً أو في الاستيراد إذا كان مستورداً لفترة زمنية محددة. ومن بنود ميثاق الشرف أنه إذا أفلس تاجر صادق أمين لسبب من الأسباب فعلى شاهبندر التجار ونائبيه أن يقفوا معه ويساندوه ويدعموه بالبضائع ويستوردوا عنه ويعيدوه إلى تجارته حتى يصل إلى مقامه.

وفي بعض الحالات يقومون بضمان ديونه أو دفعها عنه حتى يتحسن حاله. ولقد استخدم تجار جدة قبل الحكم السعودي ميثاق الشرف، وكان نظاماً حضارياً خدم المواطنين في جدة وخارجها، فجدة كانت الميناء الرئيسي الذي يمون تجارة جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف، والجنوب: الباحة وعسير وإلى نجران، ونجد، ومن أشهر البيوت التجارية التي ساهمت في وضع هذا الميثاق والتوقيع عليه بيت باعشن وباناجة وباخشب باشا وأبو زنادة وزينل والجمجوم وأبو داود والبغدادي وقابل وباغفار وعذايه وخشعان وناغي وعلي محسن وبحراوي وقطب الدين وأبو العينين وآل فايز وآل كيال وبن عفيف وباشميل وباسمح والخضري وبن محفوظ والكعكي والعطاس والمرزوقي والسمكري وأديب الأعمى والسندي وآل جميل واليغمور والمتبولي وبن زقر وغيرهم وليعذرني من لم أذكر اسم عائلته التجارية.

هذا جزء من قصة ميثاق شرف تجار جدة كما رواها لي والدي الحبيب المرحوم بإذن الله الشيخ إسماعيل أبو داود الرئيس الأشهر والأسبق للغرفة التجارية الصناعية بجدة، الذي كان يطلق عليه قدامى التجار (شاهبندر التجار) رغم أن هذا المسمى انتهى، وذلك التنظيم انتهى العمل به وأنشئت الغرف السعودية في بداية الحكم السعودي، وكانت غرفة جدة أول غرفة تجارية صناعية في المملكة، وكان حلم العم إسماعيل أبوداود رحمه الله أن نعيد كتابة ميثاق تجار جدة باسم ميثاق تجار المملكة، ورغم أن الأنظمة واللوائح الرسمية الصادرة من الدولة والمنظمة للعمل التجاري بجميع تخصصاته التي ألحقت بها البنود الجزائية للمخالفين، وبقوة النظام تنفذ الأجهزة المعنية الجزاءات؛ إلا أنه وللأسف الشديد ذهب رواد التجارة بمبادئهم وخلقهم وبمواثيقهم واختلط الحابل بالنابل كما يقول المثل الشعبي، ودخل الدخلاء على التجارة، ونافس الأجانب من جميع الدول والفئات، نافسوا التجار السعوديين في أسواقهم وأصبحت تجارة التجزئة يسيطر عليها المتسترون الذين يتحكمون بالسوق ويسيطرون على الأسعار بلا رقيب ولا مرجع، يتهربون من النظام، باعوا مبادئهم وتنصلوا من ميثاق الأوائل، فاستغل بعض التجار الأزمات لرفع الأسعار وتحايل البعض على الجودة فتاجر بالسلع المقلدة أو المغشوشة، وحورب بعض الكبار من التجار الصغار فأخرجوهم من الأسواق، واحتكر البعض أنواعا من السلع أو الخدمات، وفتح له فروعا في جميع مناطق المملكة ولم يتعاون مع أبناء تلك المناطق ولم يتح لهم الفرصة حتى بالعمل كموظفين لديه.

أما البعد الاجتماعي في العمل فلم يتبناه إلا عدد بسيط جداً مقارنة بعدد التجار في المملكة، ونسي التجار نظام التكافل في العمل التجاري، فكم من تجار دخلوا السجون لإفلاسهم ولم يتذكرهم الميسورون من زملائهم، وكم من تجار تعثرت أحوالهم ولم يقف معهم الكبار.

إن مقالتي اليوم هي دعوة إلى أخي وصديقي وزميلي الشيخ صالح كامل شيخ التجار ورجال الأعمال في مدينة جدة، فالأمل فيه معقود لأنه شخصية متميزة من رجال الأعمال يعيدنا إلى ذاكرة شاهبندر التجار بأفعاله الإنسانية ومبادئه السامية.. أدعوه إلى التعاون مع عميد رؤساء الغرف الشيخ عبدالرحمن الجريسي ونجم شباب رؤساء الغرف الشيخ عبدالرحمن الراشد لكي يعيد تبني كتابة (ميثاق شرف التجار ورجال الأعمال) ويعمل على استقطاب كبار التجار وصغارهم ليتبنوا هذا الميثاق، لنبني معاً تاريخاً جديداً لسمعة التجار التي لوثها بعض صغار النفوس من الدخلاء.

http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=9591




مشكلة المقال حاجة واحدة ..

الدعوة الموجهة لصالح كامل ..

دعوة في غير محلها.

توعية المستهلك والقوانين والانظمة مفعله ولكن نحتاج متابعة واشراف
للتطبيق القانون التجاري